|[ إلى فاطمه ]|


بُنيـّتي فاطمة هذه أكثرُ رسائلِ أبيكِ جنوناً … فليسَ هناكَ جنونُ أَكبرَ من أَن يكتبَ أَبٌ لابنتهِ رسالةً قبلَ أَن يعلـِّمَهَا القراءَة
يوماً ما ستكبرينَ بُنيّتي … وحتماً أَنكِ ستقتفينَ آثارَ أَقدامِي التي ستقودكِ إلى هُنا
وقتَها قد تعني لكِ هذه الكلماتُ شيئاً … وإنْ لم تفعلْ فستدلكِ على الأَقلِّ على وجهي الآخرَ الذي أُحاولُ أَنْ أُخفيهِ تحتَ نبرةِ صوتِي وثيابِي الأَنيقةَ وعطرَ سكوربيون ودفاترَ مسودّتِي وكتبِي المبعثرةَ هنا وهناك
يوماً ما ستقودكِ خطواتكِ إلى هنا بُنيّتي … فإن كنتُ حياً فارتمِي في حضنِي يا نورَ عينَي أَبيكِ وقلبِه
فقلبي كل يومٍ يتـَّسِعُ لكِ … وإن لم أَكن فاعلمي بنيّتي أَني أَحببتكِ كما لم أُحبَّ أَحداً من قبل
وكما لن أحب أحداً من بعد
أتصدِّيقيني بنيّتي لو أَخبرتكِ أَني أَكتبُ لكِ هذه الكلمات وأنتِ نائمة بجانبي وأنا اتأمّلك قطعة قطعة
فمٌ صغير كوردةِ جوري تفتحتْ منذ لحظة … وجهٌ أبيضٌ مدوَّر كالرغيفِ ومضيءٌ كالقمر
شعر كستنائي حين أُدخِلُ أَصابِعي فيه لا أَعرفُ كيفَ أَصفُ تلكَ الرهبةَ التي تنتابني وذاكَ الخشوع الذي يعترينِي
منذ قليل كنتُ أَقصُّ عليكِ قصةَ بياضِ الثَّلجِ للمرةِ التي لا أَعرف رقمها ! غريب كيف أستمتع برواية قصة للمرَّة الأكثرِ الالف … اتصدقيني لو أخبرتكِ أني انتظرُ لحظةَ اندسُّ في سريركِ وأُداعب شعرك وأقص عليكِ تفاصيلَ الخالةِ الفاسدةِ والاقزامِ الطيبينَ والتفاحةَ المسمومة بمثلِ لهفتك وربّما أكثر
وحين أَكونُ خارجَ البيتِ أَعودُ مسرعاً وكلي أَمل ان أراكِ مستيقظة كي أسمع أحلى الكلماتِ على قلبي :ـ
( تصبح على خير يا أَبي )
وحين كان النومُ يفصلُ بيننَا لم تكوني لتهربي من حنيني ! كنتُ أُغافل أمّكِ وأتسلل إلى غرفتك وأُقبـِّلـُكِ ! ـ
وكثيراً ما ضبطتني متلبساً بضمِّكِ !ـ
وحين كنتِ تبكين وأرى دمعتكِ على خدّك كنت أفكر جدِّيا باضرام النار بالكرة الأرضية
أو جمعها بيدي كورقة مسودّة والقائها في سلة المهملات !ـ
وحين كنت تضحكين ضحكتك الخارجة من القلب غير المشوبة بحزن وألم
كنتً اسمع الكون كـُلـًّه يضحك لصدى ضحكتك
ومنذُ أسبوعٍ أيقظني عطشُ الليل فشربتُ وتفقدتُك قطعةً قطعةً أَيضاً … وحين تذكرتُ أَنكِ يوماً ما ذاهبة إلى بيتِ زوجكِ أَنه لن يكون بامكاني ضمك اليَّ متى شئتِ بكيتُ ! …ـ
ماذا سأفعل بالقصص الملوّنة من دونكِ … وأقلام التلوين … وكوبك الأزرق … وأحذيتك الصغيرة …ـ
وربطات شعرك … وحصانك الخشبي
يوماً ما بنيّتي ستكونين هنا
أنا لا أعرف أين سأكون … أشياءٌ كثيرة لا يعرفها أبوكِ ولكنه يعرف شيئاً مُهمّاً
يعرف أنه يُحبُّـكِ

مِنْ عَبدِ اللهِ قِس بِنْ سَاعِدة إلى بشَّارِ الأسَد

مِنْ عَبدِ الله قِس بنْ سَاعِدة الى بشٌار الأسَد , السلآمُ على من اتبَع الهُدى أما بعد :

بَلغَنِي أنَّ كِلابَ صَيْدِكَ عثَرتْ على رسَالتِي السَّابِعَة لأمِيرِ المُؤمنينَ عُمرَ بن الخَطابِ ، ومِنْ نُباحِهِم الحَادّ في التَّهديدِ فهمتُ أنَّ سِيَادَتكَ مُمتَعِضٌ مما جَاءَ فِيها
فِي الحَقيقةِ لستُ بِصَددِ مُناقَشَةِ مِزاجِكَ ، فَرِضَاكَ أو سَخَطِكِ لا يدخُلان ضمنَ هُمومِي اليَوميَّة
وأنَا إذ أكتبُ إليكََ فإنِّي أعلمُ يقيناً أنَّكَ لا تَستحِقُّ ثمنَ هذِه الوَرقَةَ التي أكتبُ لكَ عليهَا ، ثِقْ أني سَأغسِلُ دفتَرِي سَبْعاً إحدَاهُنَّ بالتُّرابِ لمجيءِ اسمك عليه
قدْ تسأل مَادامَ الأمرُ كذلكَ ، فلِمَ أكتبُ إليكَ ؟ ـ
يُمكنكَ أن تعتبِرَ هذِهِ الكَلمات صَدقةً منِّي فالأحمقُ المُطاعُ ممن تجُوزُ عليهم الصَّدقة
لنتَّفقَ أولاً أننا لسنَا في مَجلسِ الشَّعبِ ، فلا تتوقعَ مني أنْ أخبركَ أنَّ قيادةَ العَربِ قليلةٌ عليكَ ، وأنكَ يجب أنْ تقودَ العَالم ، فلو كَانَ عندِي عنزة مَا أوكلتُ إليكََ أمرَ رعَايتِهَا
ولنتَّفِق ثَانياً أنْ لا شَيءَ شَخصيٌ بينِي وبينَكَ ، فلستُ مَلكاً ضَليلاً صَادرَ أبوكَ مُلكَ أبي ، إنَّ الأمرَ قصَّةَ مبدَأ ، وهَذا شَيءٌ لا يمكِنُ المُسَاومَةُ عليهِ ، وإنَّ الذي تُهددني به لهُوَ الذي أحلمُ بهِ ، فوربّي إنّ ميتةً في حقّ خيرٌ من عمرٍ في بَاطِلٍ
لنترَكَ قصَّة حيَاتِي أو مَوتِي جَانباً فهذا شَيءٌ لا تملِكُه أنتَ ولا أنا فقد رُفعت الأقلامُ وجفَّت الصُّحفُ
ولنتحَدَّث عنكَ أنتَ
أخبِرنِي عن حَكَايَا قصَّها عليكَ أبُوكَ قبَْلَ النَّومِ
هَلْ حدَّثكَ عن حَاكِمٍ كانَ إذا سَارَ في الطَّريقِ أخذَ أطفَالُ النَّاسِ بثَوبِهِ مُرددينَ : يا أبتَاهُ ، يا أبتَاهُ ، ثمَّ ماتَ فكُتبَ عندَ اللهِ صِدِّيقاً

وعن ثانٍ كانَ يخشَى أن تتعثَّرَ دابةٌ فيسأله الله لِمَ لَمْ تُصلح لهَا الطريقَ يا عُمر
وثَالثٍ تَسَوّرَ عليه المُندسُون المِحرابَ فقَالَ لمن جَاؤُوا يُدافعُون عنه مَنْ يرى أنَّ لنَا عليهِ حقَّ الطَّاعةِ فليسَعْه بيتُه ولينَمْ سيفُه فِي غِمدِه فإنِّي أحبُّ أنْ ألقى اللهَ وليسَ عليّ دَمٌ إلا دَمِي ـ
وعن رابِعٍ كانَ يَحُجُّ عاماً ويغزُو عاماً دونَ أن تكُونَ له هضبةٌ مُحتلة
وعن خامسٍ أقسمَ أنْ لا يبتسِمَ والمَسْجِدُ الأقصَى أسَير
وعن سادسٍ رأى أنَّ تجهيزَ جيْشٍ للدِّفَاعِ عن حُرمةِ امرأةٍ واحدةٍ استصرخته أيسر مِن الإحتفاظِ بحقِّ الرَّدِ بمَكَانٍ مُناسب ووقتٍ مُناسبٍ نَعرِفُ أنه لن يأتي
أَخَلَتْ أقَاصيصُكُم من كلِّ هؤلاء ؟ ـ
هلْ حدَّثكَ إذاً عن طَعْمِ مَاءِ البَحرِ في فَمِ فِرعون
أو عن دُف النِّعالِ على رأسِ النَّمرُود
إنَّ الرَّعيةَ لا تُساسُ إلا بطريقَةِ عُمر بن عبد العَزيزِ أو بطَريقَةِ الحَجَّاجِ وقَد اختَارَ أبُوكَ الطريقَةَ الأصعَب فكَانَ باقتدارٍِ حجَّاجَ هذا العَصْرِ
ثُمَّ مَاذا ؟
أينَ هُو اليوم ؟ ـ
ومَاذا سيقُولُ لله إذا نُصبت الموازينُ وجاءَ ثلاثُونَ ألفاً بدمَائِهِم وقَالُوا : يا رب سَلْهُ لِمَ قتَلنَا ؟! ـ
وقد اختَرتَ أنتَ أيضاً الطريقةَ الصَّعبةَ وغداً ستكونُ بين يدي المَلِكِ بِلا جيشٍ ، ولا جِهازِ مُخابراتٍ ، ولا حِزب البَّعثِ ، ولا قناةَ دُنيا والتلفزيون الرِّسمي السُّوري ، فماذا ستقول للملك ؟ـ
إنَّ أباكَ قد أفضَى لما قدّم ، ولكنْ أنتَ ما زالَ أمَامَكَ فُرصَة أخيرة فلا تُضيِّعها ، أصلِحْ ما بينك وبينَ اللهِ يُصلحِ اللهُ ما بينَكَ وبينَ رعيتكَ ، ادفَع دِيات الذين قتلتهم ، وقبّل قدَمَ أمٍ أثكلتَها ، وزوجةٍ رملتَها ، وطفلٍ يتَّمتَه ، أعن الفقيرَ على الرَّغيفِ ، واربت على كتفِ الخَائِف ، وكُن دواءً للمريضِ يا طَبيب
أرجُو أن تقرأ هذه الكَلمات فَما كتبتُ إلا لكَي تقرَأ
وستكُون هذه الكلمات إمَّا حُجةً لكَ أو عليكَ ، أما أنا فقد حَزمتُ أمري ألّا أُهادِنَ طَاغيةَ ولو كان جيشُه بعتبةِ بيتِي
بِودِّي أن أُقرؤكَ السَّلام ختاماً ولكنَّكَ وأنتَ على هذِه الحال فلن تَسمَعَ منِّي إلا البَراءَ

إلى فرعون ..

سَيـِّدي الرَّئيس
أعرفُ أنْ لا جدوى منَ الكتابةِ اليكَ فأنتَ لن تقرأَ هذهِ الرسالة … فالقراءةُ على حدِّ علمي لا تدخلُ ضِمنَ اولوياتكَ وهمومك هذا ان كنتَ تتقنُ القراءة أصلا ً…
وأما ان كنتَ لا تُتقنها وهذا احتمالٌ لا أنفيهِ فأرجو منكَ أن تطلبَ من أحدِ زبانيتكَ أن يقرأها لكَ ….
رسالة واحدة لن تقتلكَ هذا بالطبعِ لا يعني باني خائفٌ على صِحتك
سَيـِّدي الرَّئيس
لا أخفي عليكَ سِراً بأني أعلمُ بأنكَ قدْ شَارفتَ على الثمانين … وأني حينَ سمعتُ من فترةٍ بنبأ مرضِكَ فَرِحتُ كثيراً إلا أني حِينَ عَلمتُ بانكَ تُفكرُ في تَوريثِ ابنكَ من بعدكَ عَدلتَ عَنْ فَرحتي ودعوتُ لكَ بطولِ العمرِ لانَّ جدتي رحمها الله كانت تقولُ : أنجبَ الكلبُ جَرواً فاصبحَ الجروُ أكلبَ من أبيه.
سَيـِّدي الرَّئيس
مِن نَبرةِ خطابي تَعرفُ بأني حانقٌ عليكَ جداً … حانقٌ هذه كلمةٌ أدبيةٌ مرادفةٌ لشُعورِ الكراهية ِ…
أنا أكرهُكَ … أخشى أن لا تصيبك هذهِ الكلمة بخيبةٍ عاطفيةٍ لأن اذناكَ اعتادتا على كلماتِ الغزل …
لا لكثرة ِمحبيكَ بل لأنك كما تعرفُ ونعرفُ جميعاً تقطعٌ كل لسانٍ قادرٍ على الشتيمةِ …
ولكنك َنسيتَ بأن قطعَ الألسنةِ لا يُطيلُ عُمْرَ الحكومات فالأعمارُ بيدِ اللهِ هذا ان كنتَ توافِقُ على أنها ليست بيدكَقطعُ الألسنةِ لا يزيدُ سوى حجمِ الكراهيةِ حولكَ وهذا يعني أنكَ ستدخلُ في أزمةٍ عاطفيةٍ قد تودي بحياتكَ ولكني حقاً أخشى على شعبِك الطيبِ من الموتِ فرحاً حينَ تزفُ وسائلُ الاعلامِ اليه هذا النبأ
سَيـِّدي الرَّئيس
أرى أني تماديتُ في الأمنيةِ لدرجةِ أني تمنيتُ موتكَ … أرجو أن تصفحَ عنـّي فالأمنياتُ مشروعةٌ هذا شيءٌ تقرُّه شِرعةُ حقوقِ الأنسان ِهل سمعتَ بهذا المصطلحِ يوماً ما ؟ …
المهم لسنا بصددِ تقييمِ ما تعرفه وما لا تَعرفه … أنا واثقٌ بأنك تعرفُ الكثيرَ وتجهلُ الكثيرَ أيضاً ولكن ما يجعلكَ مميزاً هو أنك لا تعرفُ إلا أن تكونَ مضرّاً …
وبالعودةِ الى قصةِ موتكَ لا تقلق على صِحتك قد أخبرنا عادل إمام وهو من الذينَ يدافعون عن سياستكَ القبيحةِ في مسرحيةِ الزعيمِ بأن الرئيسَ لا يموت

سَيـِّدي الرَّئيس
لا أريدُ ان أكونَ سوداوياً … ولا أريدُ أن أبخسكَ اشياءَكَ … فبعض ما تفعله يستحقُ التقدير لدرجةِ أن جارتك راضية عنكَ جداً … ها أنتَ تمنعُ تهريبَ الأسلحةِ لأنك على يقينٍ بأنه سيؤذي أولياءَ نعمتكَ ولكن ما مشكلتكَ مع الطحينِ وحليبِ الأطفال …
سَيـِّدي الرَّئيس
لقد سئمتُ منكُ ومن سيرتِكَ لدرجةِ أني كلما فكرتُ بصورتِكَ اشعرُ بالغثيان … وبالمناسبةِ لا تصدق بأنك سيدي فأنتَ لستَ سيدَ نفسكَ حتى تكونَ سيد أحد … ولكني دعوتُك بهذا لأني أرجو أن يقولَ الناسُ فيكَ يومَ القيامة : ـ
وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل , ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا

إلى إمرأة في مكة


الحبيبةُ أمي :ـ
قبلةٌ وباقةُ وردٍ كي تعطِريهَا وبَعد :ـ
كيفَ حالكِ … وأَشجارُ الزيتونِ المدججةِ بالأخضَرِ في عينيكِ كَيف
وأصَابعكِ التي تفصِلني عن جاذبيةِ الأَرضِ حينَ تُداعِبُ شَعْرِي كَيف
وحِضنكِ الذي أَحِنُّ اليه ويحِنُّ إليّ كيف
متُّ اشتِياقاً أُمي
انكَسرتُ على غِيابكِ كلوحِ زجاجٍ وتناثَرتْ قِطَعي فمَلأتْ أَرجَاء البيت
احترقتُ وتطَاير رمَادي حتى غطَّى الجدرانَ الكئيبةَ لفَقدكِ
كلُّ شَيءٍ هنا يحنُّ إليكِ أُمي
تبكِي فاطمةُ وتقولُ لي : أُريدُ جدَّتي
فأبتَلِعُ دموعِي وأَقولُ لها ستحضِر لكِ أَلعَاباً كثيرةً مِن مَكَّة
لا أُريدُ ألعاباً … أريدُ جدَّتِي يا أبِي
وأَنا أريدُ أُمي … لم أَعدْ اريدُ احداثَ النِّهايةِ لمحمَّد حسَّان
ولا شَرحَ العقيدةِ الواسطيةِ لابنِ عثَيمين
ولا أن تقولي لعمر بن الخطاب أنا أُم قِس بن سَاعدة البومةُ التي تكتبُ اليكَ الرَّسَائل
كئيبٌ هذا الصباحُ بدونكِ أُمي كما الصباحاتُ المتبقيةُ لحينِ عودتِكِ
أَشربُ قهوتِي دونَ أَحاديثكِ فتزدادُ القهوةُ مرارةً وتصبحُ كطعمِ الأيامِ في غيابكِ
الغريبُ أَني أُحبُّ إعدادَ القهوةِ أكثر من شربها ولكن انتِ الشَّخصُ الوحيدُ الذي يطيبُ معه كل شَيء
أتذكرينَ أُمي اليومَ الثَّانِي على زواجِي حينَ خرجتُ لصَلاةِ الجُمعَةِ وعدتُ مع العائدينَ
ولم استفقْ الا حينَ وجدتُ نفسِي عندكِ … فقلتِ لي اذهبْ الى زوجتكَ . فقلتُ لك :ـ
قد كنتُ ذاهباً إليها أمي ولكنَّ قدمايَ قادتنِي دونَ وعيٍ مني اليكِ
بكيتِ يومها
ومازحتُكِ انا قائلاً : ما الحبَّ الا للحبيبِ الأولِِ
أتذكرينَ أُمي عقابكِ الأولُ لي … كانَ يومَ هربتُ عن المدرسَة … لا زلتُ اذكرُ مذاقَ حذاءِ جدي الذي عزفَ على جسَدي… ولمَّا تعبتِ عضضتني في كَتفي . ـ
كانَ عقابكِ الاولُ والأخير لي إلى أَن جاءَ هذا العقابُ القاسِي
عودي إليَّ أُمي
عاقبيني ألفَ مرةٍ بما شِئتِ… بأحذيةِ العَالم … بأسنانكِ… ولكن اختَاري عقاباً ارحم من غيابكِ
لم أَعد قادراً على الإستمرارِ أُمي
لم أعد قادراً
أتذكرينَ أمي ذاتَ صباحٍ جئتُ اليكِ وقلتُ : سأقرأ لكِ شيئاً كتبتُه
قلتِ : ” أدهم يا فتـّاح يا عليم عالصُّبح هات لنشُوف يا سيدي “.ـ
ففتحتُ دفتري وقرأتُ لكِ تلكَ الكلماتِ التي لا يمرُّ أسبوعٌ دونَ أن تطلبِي مني أن اقرأها لكِ:ـ
تمنيتَ لو أنكَ ما زلتَ في بيتِ أمكَ فربّمَا أيقظَها عطشُ الليلِ فشربَتْ ثم تفقدَتكَ كعادتِها لكانتْ داعبتْ شَعركَ وطبعتْ فوقَ جبينكَ قبلةً فامتصتْ كلَّ ما فيكَ من أرق
لا تعرفُ متى تعرفتَ ألى أمكَ كل ما تعرفه أنكَ فتحتَ عينيكَ على الدنيا فوجدتَها أمامكَ لا تذكر ذاكرتكَ متى أدمنتَ الأخضَر في عينيها
كل ما تعرفه أنّ غيابكَ عن الزيتونِ الراقدِ بين الجفنين يُشعركَ بأنك لا شيء
الزيتون الرابضُ في عيني أمك هو (أل) التعريفِ التي تحولكَ من نكرةٍ معرفة
يومهَا جذبتني بقوة ٍ الى حضنكِ … دفنتني هناكَ طويلاً وتمنيتُ أنا أن يتوقفَ الوقتُ فابقى هناكَ . ـ
ولكن عقارب الساعة الحمقى لا تعرف أن تهدأ … الغريب أنها كانت تركض مسرعة فما الذي حدث بعد رحيلك …ـ
لماذا تكاسلتْ …لماذا عليّ أن أعيش ثمانية أيام طويلة لحين عودتك … ـ
وحين تعودين سأحجز في حضنك ليلة كاملة تكوني فيها ممنوعة من النوم
وستحدِّثيني لا لأعرف الحكايا بل لأسمع صوتكِ

من عبدِ اللهِ إلى أميرِ المؤمنينَ | الرسالة التاسعه

مِن عَبدِ اللهِ قِس بِن سَاعِدَة إلى أَميرِ المُؤمِنينَ عُمرَ بن الخَطَّابِ ، سَلامُ اللهِ عَليكَ وَرَحمَتُه وبَركَاتُه وبَعد :

بَلغَنِي يَا مَولايَ أنَّ حَفيدَكَ عُمَرَ بن عَبدِ العَزِيزِ لمَّا أنفَقَ على الرَّعِيَّةِ كُلَّ مَا فِي بَيتِ مَالِ المُسلِمينَ غَسَلَهُ بالمَاءِ والصَّابُونِ ، وصَلَّى فِيهِ رَكعَتينِ ، فَقد كَانَت الدَّولَةُ وقتَذَاكَ دَولَةَ رِعَايَةٍ ، ولكنَّها الآن دَولَةَ جِبَايَةٍ ، تَبيعُنَا المَاءَ ، والكَهربَاءَ وعمَّا قَليلٍ سَنشتَري الهَوَاءَ عَبرَ الإشْتِرَاكِ الإجبَارِيّ بِخِدمَةِ وَزَارَةِ المَاليَّةِ : ” تَنَفَّسْ وادفَعْ ” !
وَبَعدَ هَذا تَتَهِمُنَا الدَّولَةُ بالعُقُوقِ ، وهِيَ التي عَقَّتنَا قَبْلَ أَنْ نَعُقَّهَا ، فَالدَّولَةُ التي لا تَربِطُ عَلى بَطْنِهَا حَجَراً حِينَ نَجُوعُ ليْسَتْ دَوْلةً ، والوَطَنُ الذي لا يُبَلِلُ لِحيَتَه بِدُمُوعِهِ حِينَ نَمُوتُ غَرَقًا بِالمَطَرِ ليْسَ وَطَناً ، والوَطَنُ الذي يَرقُبُنَا نَمُوتُ على أًَبْوَابِ المُستَشْفَياتِ لأنَّنَا لا نَملِكُ ثَمَنَ سَرِيرٍ عَليهِ أنْ يَخْجَلَ مِن نَفْسِهِ بَدَلَ أنْ يُطَالِبْنَا بِالبِرِّ ، فَبِوِدِّنَا لَوْ كُنَّا بَرَرَةً وبِوِدِّنَا أنْ نَرَى الوَطَنَ يَسيرُ للأَمَامِ كَقَافِلَةٍ ، ولكِنْ مَا نَفْعَل حِينَ نَجِدهُ يَنبَحُ فِي وُجُوهِنَا كَكَلبٍ عَقُورٍ !
وَعَوْداً عَلى ذِي بَدْءٍ ، فَقَد كَانَ أَحَدُ الرُّعَاةِ فِي الحِجَازِ يَرقُبُ قَطِيعَه فَهَجَم ذِئْبٌ عَلى شَاةٍ ، فَقَالَ الرَّاعِي : ” إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُون ، مَات عُمر بن عَبدِ العَزِيزِ فِي الشَّام ! ” أولئِكَ يَا مَولايَ كَانُوا حُكَاماً أَصلَحُوا مَا بَينَهُم وبينَ اللهِ ، فَأَصلَحَ اللهُ مَا بينَ الذِّئَابِ وقِطْعَانِ رَعِيَّتِهِمْ ، وإنَنَا اليَومَ لا نَخْشَى الذِّئَابَ عَلى أَغنَامِنَا بِقَدْرِ مَا نَخَشَى الحُكَّامَ عَلى أَوْلادِنَا !
وإذَا خَرجْنَا عَليهِم نُريدُ استِردَادَ حَيَاتِنَا أَخْرَجُوا لنَا رَاقِصَاتِ دَارِ الفَتوَى ، وَلمَّا لَمْ يُفْلِحُوا في ثنينا ، أعمَلُوا فِينَا الحَدِيدَ والنَّارَ ، ثُمَّ تَخرُجُ عَلينَا مُنَظَّمَةُ العَفْوِ الدُّوَليَّةِ تُريدُ أَنْ تُحَقِّقَ فِي مَقْتَلِ القَذَّافِي ، والقَذَّافِي حِكَايَةٌ طَويلةٌ تَتَلخَّصُ بِجُملَةٍ وَاحِدَةٍ : ” كَانَ كَلباً فَمَات ” ، فَهُوَ إذاً لا يَنْدَرِجُ ضِمنَ صَلاحِيَّاتِ مُنَظَّمَةِ العَفْوِ الدُّولِيَّةِ بَل ضِمْنَ مُنَظَّمَةِ الرِّفقِ بالحَيَوَان ! ولا أَحَدَ يَعرِفُ يَا مَولايَ أَينَ كَانَتْ مُنَظَّمَةُ العُهْرِ الدُّولِيَّةِ حِينَ قُتِلَ أَحمَد يَاسِين خَارِجاً مِن صَلاةِ الفَجْرِ ، وَهُوَ القَعيدُ الذي لَمْ يَكُنْ يَعْمَلُ فِي جَسَدِهِ إلا عَقلُه ، وقَلبُه ! وأَينَ كَانَتْ مُنَظَّمَةُ العُهرِ الدُّوليَّةِ حِيَنَ قُتِلَ بِنْ لادِنْ عَلى مَشْهَدً مِن أَطْفَالِهِ ، وأَينَ كَانَتْ مُنَظَّمَةُ العُهرِ الدُّوليَّةِ حِينَ قَتَلتْ أَمرِيكَا مُواطِنَهَا العَوْلَقِيّ بَعدَ أَنْ أَرَادَتْ مِنهُ أَنْ يَقُولَ: ” رَبِّيَ أل Green Card ” فَلمْ تَسْمَعْ مِنهُ غَيْرَ رَبِّيَ الله !
وإنِّي لأُبَشِّركَ يا مَولايَ أنَّ الجَامعةَ العَربِيَّةَ دَخلتْ على الخَطِّ فِي سُوريَا ، والجَامِعَةُ عَلى مَدى تَاريخِهَا لمْ تَضعْ يَدَهَا فِي مُشكِلةٍ إلا زَادتهَا تَعقيداً ، وكَونُ اسمهَا الجَامِعةَ العَربيَّة فَهذا لا يعنِي أنَّ لهَا أَخلاقَ العَربِ فِي الجَاهِليَّةِ ، فضلاً عن الإسلامِ ، فِهيَ مُنذُ نشأَتِهَا لم تُرجِع حقاً ، ولم تَردَّ غَازياَ ، كَما فعل حِلفُ الفُضُولِ الذي أَنشَأَه عِبَادُ الأصنامِ ، بل إنَّ التُّيوسَ أعضاء الجامعة لا يَجتمِعُونَ إلا على بَاطِلٍ كَيومِ جَرَّتهُم أمريكَا مِن قُرونِهِم لتَمويلِ حَربِهَا في العِراقِ دُونَ أنْ يَتَخَلَّفَ أحدٌ !
وكونُ أمينِهَا العَام هُو نَبيلُ العربِيّ فهذَا ليسَ سِوى مَظْهَرٍ مِن مَظَاهِر التُّراثِ !
وإنَّ الذِينَ جَاؤُوا إلى دِمشقَ ليُحَاضِرُوا فِي العِفَّةِ هُم في الحَقيقةِ أسَفلُ مِن بشَّارِ الأسَدِ ، ولو أنَّ شُعوبَهَم خَرجتْ عَليهِم ليَفعلونَ أكثرَ مما فَعله بشَّار ، فبشَّارُ استنكرَ هَمجيَّةَ القَذافِي أولَ الأمر ، ثُمّ تَبيَّنَ بَعدَهَا أنَّ القَذَّافِي عَلى هَمجِيَّتِه أكثر تَحضُّراً منه !
ولنَدَع العَربَ جَانِباً يَا مَولايَ ولننتَقِل إلى وول ستريت مَملَكَةُ الرَّبَا العَالميّ التي بَدأتْ بالتَّدَاعِي ، فالرَّأسمَاليَّةُ الجَشِعَةُ بعدَ أنْ أكلت العَالمَ لم يعُد أمَامَها إلا أنْ يَأكُلَ بعضُهَا بعضاً ، فالبَشَريَّةُ التي اغتَرَّت بِقُوَّتِهَا وحَسِبَتْ أنَّهَا قَادِرَة عَلى تَدبيرِ أمُورِهَا بعيداً عَن هَدْي خَالقِها ها هِي اليَومَ تَدفَعُ ثمَنَ غُرورِهَا .
ومَا نَشهده اليَومَ ليسَ إلا البِدَايَةَ ، والمتأملُ بِحَالِ الرَّأسمَاليَّةِ اليَومَ يَخلُصُ إلى يقينٍ أنَّها عَلى شَفيرِ الهَاويةِ إن لم تكُنْ وقَعتْ فِيهَا أصلاً ، وإنَّ كُلَّ خُطَطِ الإنقاذِ التي نَشهَدُهَا اليَومَ مَا هِيَ إلا مُحاولةُ تَرقِيعٍ ، ولكنْ إلى مَتَى سيَقبلُ الثوبُ الخَلِقُ التَّرقِيع ؟!
فَأمريكَا دَائخَةٌ مِن حَجمِ دُيُونِها ، ومَا يُبقيهَا عَلى قَدميهَا هُو بَلطجتُهَا العَسكرية ، وأموالُ العَربِ ، ولو سحبَ العَربُ أَموالهُم ليلاً لجَثَتْ على رُكبَيتهَا صَبَاحاَ !
والتفَافُ الأُوروبيينَ حَولَ اليُونَانِ مَا هُو إلا مُحَاولةٌ لإطَالةِ فَترةِ مَوتِ الرَّأسمَاليَّةِ السَّريري ، فإذا عَلمنَا أنَّ الإكتراثَ بالآخَرينَ مبدأ مُنافٍ لمبَادِىء الرَّأسمَاليَّة القَائِمةِ على المَنفعَةِ ، والمَنفعَةُ فَقط ، لعَلمنَا أنَّ اليُونانَ لن تكونَ إلا الحَلقَةَ الأولى التي ستَنفَرِطُ في العِقدِ الذي سيَنفَرطُ لا مَحالة !
أَخيراً وجدتُ شيئاً مُفرحاً أحدِّثكَ عنه يَا مَولاي
هذه كَانتْ أَخبارُ دَولتِكَ والرِّسَالةُ العَاشِرةُ تَأتيكَ إن كَانَ فِي العُمرِ بَقيَّة ولوقتِهَا قُبلاتِي ليَديكَ وسَلامِي لصَاحِبيكَ


من عبدِ اللهِ إلى أميرِ المؤمنينَ | الرسالة الثامنه

مِنْ عَبْدِ اللهِ قِس بن سَاعِدَة إلى أمِيرِ المُؤمِنينَ عُمَرَ بن الخَطَّابِ ، سَلامُ اللهِ عَليكَ ورَحمَتُه وبَركَاتُه وبَعد :

بَلغَنِي يَا مَولايَ أنَّكَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ سَمِعْتَ قَرِيرَ بَطْنِكَ
فَقُلتََ لهَا : قَرْقِرِي أو لا تُقَرْقِرِي فَلنْ تَشْبَعِي حتَّى يَشْبَعَ فُقرَاءُ المُسْلمِين
ثُمَّ إنَّكَ فِي ذَلكَ العَامِ أيْضاً أَوْقَفْتَ قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ ، وبِتَعطِيلِ هَذَا الحَدِّ تَحَوَّلَتْ خِلافَتُكَ مِنْ خِلافَةٍ رَاشِدَةٍ إلى خِلافَةٍ أكثَر رُشْداً !
لأنَّ هَذا ليْسَ فَهْماً عَمِيقاً للشَّريعَةِ فَحسب ، إنَّه فَهْمٌ لمَقَاصِدِهَا أيْضاً !
وبِمَجِيءِ الثَّورَاتِ العَرَبِيَّةِ عَلَتْ أصْوَاتٌ مُطَالبَةٌ بِتَطَبِيقِ الشَّرِيعَةِ ، غَيْرَ أنَّ تِلكَ الأصْوَاتِ فِي غَالبِيَّتِها لا تُمّيِّزُ بَينَ الشَّرِيعَةِ والحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ ، الذين يُطَالِبُونَ بِتطبِيقِ الشَّرِيعَةِ وهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّ الشَّرِيعَةَ هِيَ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ ، وجَلْدُ ظَهْرِ شَارِبِ الخَمْرِ ، ورَجْمُ الزَّانِي .أولئِكَ يَخْلطُونَ بَيْنَ نِظَامِ العُقُوبَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وبَيْنَ الشَّرِيعَةِ نَفْسِهَا !
والذِينَ يَعْتَبِرُونَ أنَّ الحُدُودَ غَايَةٌ مِنْ غَايَاتِ الشَّرِيعَةِ ، إنَّمَا يُكَرِّسُونَ فِكْرَةَ الغَرْبِ الغَبِيَّةَ عن الإسْلام ، فالحُدُودُ ليْسَتْ سِوى وَسِيلَةٍ لِرَدْعِ النَّاسِ عن انتِهَاكِ الشَّريعَةِ ، ولَيْسَت الشَّريعَةُ نَفْسَهَا ، لِهَذَا كَانْت آخِرَ مَا يُطَبَّقُ مِنَ الشَّرِيعَةِ وأَوَّلُ مَا يُعَطَّلُ !
وإِخْرَاجُ قَانُونِ العُقُوبَاتِ فِي الإسْلامِ مِنْ دَائِرَةِ النَّظَرِيَّةِ لِدَائِرَةِ التَّطْبِيقِ يَلزَمُه بالضَّرُورَةِ مُجْتَمَعٌ يَحْكُمه الإسلام ، وإلا كَيْفَ لِعَاقِلٍ أَنْ يَطْلُبَ جَلْدَ شَارِبِ الخَمْرِ فِي حِين تَحْصُلُ مَحَالُ بَيْعِ الخُمُورِ على تَراخِيصِهَا مِنْ وَزَارَةِ الدَّاخِليَّةِ ! وكَيْفَ له أَنْ يَطْلُبَ جَلْدَ الزَّانِي أو رَجْمِهِ فِي حِينِ تُشْرِفُ وَزَارَةُ الصِّحَةِ على بُيُوتِ الدَّعَارَةِ !
قَبْلَ أَنْ نَشْرَعَ بالمُطَالَبَةِ بِمُعَاقَبَةِ النَّاسِ على وُقُوعِهِم بِحُرمَاتِ اللهِ لا بُدَّ أولاً أَنْ نُزِيلَ مِنْ طَرِيقِهِم مَا يُيَسِّرُ وُقُوعَهُم فِيهَا ، وإلا كُنَّا كَمَنْ يَذْهَبُ بِرَجُلٍ لِشَاطِىءِ عُرَاةٍ ثُمَّ يُعطِهِ مُحَاضَرَةً فِي غَضِّ البَصَرِ !
لا بُدَّ قَبْلَ المُطَالبَةِ بِتَطْبِيقِ الإسلامِ أنْ نَفْهَمَ الغَايَةَ التي جَاءَ مِنْ أجْلِهَا الإسلامُ ، الإسلامُ جَاءَ لتَطْوِيعِ هذا الكَوْكَبُ بِكُلِّيَتِهِ للهِ ، فَهُوَ وإنْ كَانَ مَعَ فِكْرَةِ التَّعَايُشِ مَعَ كُلِّ البَشَرِ إلا أنَّه ضِدَّ فِكْرَةِ التَّعَايُشَ مَعَ الأَنْظِمَةِ الوَضْعِيَّةِ الفَاسِدَةِ ، فالإسلامُ لا يَطْرَحُ نَفْسَه وُجْهَةَ نَظَرٍ بِجَانِبِ وُجُهَاتِ نَظَرٍ أُخْرَى في الحُكْمِ ، إنَّه يَطْرَحُ نَفْسَه بَدِيلا عَنْهَا !
وَهُوَ لا شَكَّ الأقْدَرُ على قِيَادَةِ الإنْسَانِ لتَحْقِيقِ إنْسَانِيَّتِه ، فَهُوَ مِنْ جِهَةً يُقَدِّمُ لَه نِظَاماً مُتَكَامِلاً يَشْمَلُ كُلَّ مَنَاحِي الحَيَاةِ ، وِمِنْ أُخْرَى لا يَنْسَى أنَّ الإنْسَانَ مَزِيجٌ فَرِيدٌ مُرَكَّبٌ من جَسَدٍ ورُوحٍ ، فَنِرَاه يُوَازِنُ بَيْنَ تَركِيبَتِهِ المَادِّية والرُّوحِيَّةِ ، فَهُوَ وَسَطٌ فِي كُلِّ شَيءٍ غَيْرَ أنَّ الوَسَطِيَّةَ لا تَعْنِي عَصْرِنَةَ الإسلامِ بِقَدْرِ مَا تَعْنِي أسْلَمَةَ العَصْرِ !
وبِالعَوْدَةِ للثَّوْرَاِتِ العَرَبِيَّةِ يَا مَوْلايَ ، ثَمَّةَ مَنْ يَعْتَقِدُ أنَّ الثَّورَاتِ صَنِيعَةَ أَجهِزَةِ الإسْتِخْبَارَاتِ العَالَمِيَّةِ ، مُتَنَاسِياً أنَّه إنْ كَانَ لتِلكَ الأَجْهِزَةِ مِنْ صَنَائِعَ فِي بِلادِنَا فَهُوَ هَذِهِ الأَنْظِمَةِ ، فالغَرْبُ صَنَعَ حُكَّامَنَا على عَيْنِهِ وأَلقَى عَلَيهِم مَحَبَّةً مِنه فَكَانُوا بِحَقٍّ كِلابَه الأَوفِيَاءُ ، وإلا مِنْ أيْنَ سَتَعْثُر إسْرَائِيلُ على كَلاب حِرَاسَةٍ كَمُبَارَك وبَشَّار وعَبْدُ اللهِ الحُسين ، وكُلُّ مَن يَخْرُجُ عَنْ قَوَاعِدِ الُّلعبَةِ يَذْهَبُ لحَيْثُ ذَهَبَ فَيْصَلُ بِنْ عَبْدِ العَزِيزِ !
كُلُّ مَا حَاوَلَ الغَرْبُ أَنْ يَفْعَله بَعْدَ أنْ عَجِزَ فِي حِمَايَةِ وُلاتِهِ على دِيَارِنَا أنَّه حَاوِلَ احتِوَاءَ هَذِهِ الثَّوراتِ ، وتَغْيير مَسَارِهَا ليْسَ أكثَر ، وَقَدْ نَجَحَ لحَدٍّ بَعيِدٍ حتَّى الآنَ . لأنَّ الذِينَ قَامُوا بالثَّورَةِ مَدْفُوعِينَ مِنْ قَهْرٍ ، وظُلْمٍ ، ومُصََادَرَةِ أوطَانٍ ، وتَشْمِيع حَنَاجِر ، وتَكْمِيمِ أفْوَاهٍ  غَفِلُوا لِلَحْظَةٍ بِأنَّ الذي ظَلَمَهُم هُوَ نِظَامُ حُكْمٍ فَاسِدٍ ، وليْسَ رَأَسَ النِّظَاِم فَحَسب ، لِهَذَا مَا زَالَت الثَّوْرَةُ تَحْتَاجُ إلى ثَوْرَةٍ ، فالرِّضَى بِبِقَاءِ هَذِهِ الأَنْظِمَةِ بَعْدَ خَلْعِ رُؤُوسِهَا ” كالتَّي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ” !
فَمُبَارَكُ كَانَ يَبْطِشُ بِيَدِ طَنْطَاوِي ، وَعَنَان ، وَجُنْدِ عَمْرُو سُليمَان ، فنَجِدُ مُبَارَكاً فِي القَفَصِ وطَنْطَاوِي خَلِيَفةً رَاشِداً !
وَحِينَ يَفِرُّ الذِّئْبُ مَعَ ليْلَى إلى جَدَّة نَتَحَاكَمُ للدُّستُورِ الذي يَهَبُنَا الوَزِيرَ الأوَلَ ، مُتَنَاسِينَ أنَّ الوَزِيرَ الأَوَّلَ هُوَ مَنْ وَقَّعَ عَلى قَانُونِ حَظْرِ الحِجَابِ فِي الجَامِعَاتِ والدَّوَائِرِ الرَّسمِيَّةِ لأنَّه يُسيءُ لمَنْظَرِ الدَّوْلَةِ الحَضَارِيّ ، وَمُتَنَاسِينَ أنَّه مَنْ أَصْدَرَ بِطَاقَاتِ الصَّلاةِ المُمَغْنَطَةِ لأنَّه لا يِعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ إلا الإرهَابِيين ! وَمُتَنَاسِيَنَ ” إنَّ فِرْعَوْنَ وهَامَانَ وجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِين ” !
وفِي لِيبيَا يَا مَولايَ ارتَأَى النِّيتُو بَيْعَ كَلْبِهِم هُنَاكَ ، فَقَد عَلِمُوا أنَّ الشَّعبَ غَالبٌ نِهَايَةَ المَطَافِ ، طَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ ، وبِمَا أنَّ المُهِمّ هِيَ مَصْلَحتُهُم وهُمْ مَعْ مَنْ يُحَققهَا لَهُم سَوَاءً كَانَ زِنْدِيقاً أو حَافِظاً للقرآن ، فَلا مُشْكِلَة إذاً أَنْ يَأتُوا بِبَدِيلٍ مَقْبُولٍ فَاهمٍ للعبَةِ القَائِمَةِ .
لا شَكَّ أنَّ الذينَ حَمَلُوا السِّلاحَ هُنَاكَ مَا حَمَلُوه ليَتَخلَّصُوا من القَذَّافِي ويَأتُوا بالنِّيتُو ، ولكنَّ قَادَةَ المَجْلسِ الإنتِقَاليّ غَفَلُوا أنَّ الدُّوَلَ ليْسَتْ جَمعِياتٍ خَيْرِيَّة تُعطِي دُونَ المُقَابِل ، وأنَّهَا مَا جَاءَتْ بِخَيْلِهَا ورَجِلِهَا إلا لتَقْطَعَ عليهِم الطَّريقَ نَحوَ تَحقِيقٍ كَامِل حُرِّيَتِهِم وكَرَامَتِهم ، وهُم الآنَ بَيْنَ خَيَارينِ لا ثَالثَ لَهُما ، إمَّا إدخَالُ لِيبيَا في استِعمَارٍ غَربِيٍّ ، أو يَقِفُوا وقْفَةً للهِ ثُمَّ للتَارِيخِ ويُكمِلُوا ما بَدَأوه ، وهُمْ إذَا اختَارُوا الأوَّلَ سيَكُونُونَ نَسْخَةً مُعدّلةً جِينياً عن حُكُومَةِ سَلام فَيَّاض ، أو حُكُومَةِ كَرَزَاي ، أو المَالِكِيّ
وأجْمَلُ مَا فِي الثَّورَاتِ يَا مَوْلايَ أنَّهَا أثْبَتَتْ أنَّكَ لا تَحْتَاجُ لكَثِيرٍ لتَهُزَّ عَرْشَ طَاغِيَةٍ ، يَكْفِي حنجَرَةً كَحنجَرَةِ ابْرَاهِيم قَاشُوش ، وأَصَابِعَ كَأصَابِعَ علي فَرزَات !
وأَجْمَلُ مَا فِيهَا أيضاً أنَّهَا صَنّفت العُلمَاءَ إلى ربَّانِيين وشَيطَانيين ، فَفِي حين كَان أحمَد حَسُّون يأكُلُ بآياتِ اللهِ أرغِفَةً قَليلَةً على مَائِدَةِ بَشَّار الأسَدِ ، وكَانَ البُوطِيّ بِشِقِّ فَتوَى يُبيحُ الكُفرَ للمُكْرَهِ يَنْسَى أنَّ للفَتْوَى شِقّاً آخَرَ يَجِب أنْ يَطَالَ الذينَ يَحمِلُونَ النَّاسَ على الكُفْرِ ! كََانَ شَيْخُ قرّاءِ الشَّامِ يقُولُ : اللهمَّ إنِّي بريءٌ مِمَا يصنَعُ بَشَّارُ وجُندَه ، وكَانَ ابراهِيم سَلقِينِي مُفتِي حَلب يِخطبُ النَّاسَ عَلى المِنْبَرِ ويَحُثُّهُم عَلَى أنَّ لا يَحنُوا الرُّؤُوسَ لطَاغِيَةٍ فَزَارته قُوَّاتُ الأَمْنِ في بَيْتِهِ وهُوَ ابنُ السَّابِعَةِ والسَّبعِين ، وهُوَ عُمْرٌ لا يَسْمَحُ بتَلقِّي زِيَارَاتٍ خَاصَّةٍ مِنْ هَذَا النَّوعِ فَمَاتَ الرَّجُلُ ونَحسَبُه الآنَ إلى اللهِ أقَرَبَ .
وأَمَّا عُلمَاءُ السُّطَانِ الذينَ يَحْرُسُونَه بِنُصُوصٍ وآيَاتٍ يَحْمِلُونَها على غَيْرِ مَا أُنْزِلَت عَليهِ ، فَيَأمُرُونَك بالمُنَاصَحَةِ الشَّرعِيّة ولكِنْ بالسَّر حِفْظاً لهَيْبَةِ الذَاتِ المَلكِيَّة ، وحِفَاظاً على وَظَائِفِهِم ورَواتِبِهِم وكُرُوشِهِم فالعَاقِلُ من اتَعَظَ بِسَعِيد بن زِعير ، ونَاصِرِ الفَهد ، ومحَمَّد البِجَادِي ، اولئك لا يَعلَمُونَ أو يَعلمُونَ أنَّ الإنكَار الفَردِيّ لا يُلقِي له طَويلُ العُمْرِ بالاَ ، هَذَا إِنْ وَصَلَ المُنكِرُ لولِيّ الأَمْرِ بالخَيْرِ والعَافِيةِ ، ولكنَّهُم يَتَغَافَلونَ لأنَّهُم جُزءٌ منَ النِّظَامِِ الفَاسِدِ المَوجُودِ .
جَميلٌ أَنْ نَجِدَ هَيئةً تَأخُذُ على يَدِ الشَّابِّ المُتَسكِّعِ ، أو المرأةِ المُتَبَرِّجَةِ ، ولكنَّ الأجمَلَ أنْ نَجِدَ هيئَةً رقَابِيَّةً تَأخُذُ على يَدِ الحَاكِمِ حِينَ يُخْطِىءُ لأنَّ خَطَأَ الفَردِ لنَفْسِه ولكنَّ خَطَأَ الحَاكِمِ للنَّاسِ ! وإنَّ طبْعَ بَنِي آدَمَ أنَّهُم إذَا أمِنُوا العِقَابَ أسَاؤُوا الأدَبَ !
هَذِهِ كَانَتْ رسَالتِي الثَّامِنَةَ إليكَ ، والتَّاسِعَةُ تأتِيكَ إنْ كانَ في العُمرِ بَقِيَّة ، ولوَقتِهَا قُبلاتِي ليَديكَ وسَلامِي لصَاحِبَيكَ .

من عبدِ اللهِ إلى أميرِ المؤمنينَ | الرسالة السابعة

مِنْ عبْدِ اللهِ قِس بن سَاعِدَة إلى أمِيرِ المُؤمِنينَ عُمرَ بن الخَطَّابِ سَلامُ اللهِ عليكََ ورَحمَتُه وبَركَاتُه وبَعد :ـ
بَلغَنِي يَا مَولايَ أنَّكَ وقفتَ تَخطُبُ النَّاسَ وعليكَ ثَوبٌ طَويلٌ فَقُلتَ : أيُّهَا النَّاسُ اسمَعُوا وعُوا
فَقَالَ سَلمَانُ الفَارِسِيُّ واللهِ لا نَسْمَعُ ولا نَعَي
فَقُلتَ : ولِمَ يَا سَلمَان
فَأجَابَكَ : تَلْبِسُ ثَوبينِ وتُلبِسُنَا ثَوباً
فَأَشَرْتَ إلى ابنِكَ عَبْدِ اللهِ أنْ أَجِب سَلمَانَ ، فَقَالَ عبدُ اللهِ : إنّ أبي رَجُلٌ طَويلٌ فَأَخَذَ ثَوبِيَ الذي هُو قَسَمِي مَعَ المُسْلِمِين وَوَصَلَه بثَوبِه
فَقَالَ سَلمَانُ : الآنَ قُلْ يَا أَميرَ المُؤمِنينَ نَسْمَعْ وأمُر نُطِعْ !ـ
وَهَكَذا وُلدَ قُانُونُ أنَّى لكَ هَذَا
أَمِيرُ أكبَرِ دَوْلَةٍ على وَجْهِ المَعْمُورَةِ يُحَاسِبه أحَدُ الرَّعِيَّةِ فِي قِطْعَةِ قُمَاشٍ ، وهَيْئَةُ كِبََِارِ الصَّحَابَةِ لَمْ تَتَزَلَّفْ للحَاكِمِ وتُصدِرُ فتوَاهَا بِجِوازِ قَطْعِ لِسِانِ سَلمَانَ فلم تَكُن الفَتَاوَى المُعَلَّبَة قَد وُلِدَت بَعد !ــ
وحِينَ يَجتَهِدُ فُقَهَاءُ ” النُّصْ كُمْ ” بالثَّنَاءِ على أجْهِزَةِ الأمْنِ التي تَأخُذُ عَلَى يَدِِ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ لمُنكَرٍ اقتَرَفَه تَنْسَى أنَّ للحَاكِمِ يَدٌ تَقْتَرِفُ المُنْكَرَ وتَعْتَقِلُ النَّاسَ يَجِبْ أنْ يُؤخَذَ عليهَا وإلا صَارَتِ الأُمَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ كبنِي إسْرَائِيلَ إذَا سَرَقَ الوَضِيعُ قَطَعُوا يَدَه وإذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوه .
والنَّاسُ يُعتقلُونَ فَقَط لأنَّهُم تَكَلَّمُوا مَع أنَّ الكَلامَ فِي الإسْلامِ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَكُن فَحْوَاه مُنْكَراً ، والصَّمْتُ عِنْدَ ثَلاثٍ :
عِنْدَ قِراءَةِ القُرآنِ لا عِنْدَ نَشَازِ طَويلِ العُمْرِ
وعِنْدَ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ لا عِنْدَ تَحْويلِ الوَطَنِ إلى جَنَازَةٍ
وعِنْدَ الزَّحفِ على الأعْدَاءِ لا عِنْدَ الزَّحْفِ على حُرُمَاتِ النَّاسِ !
وقَدْ صِرْتَ تَعْرِفُ يَا مَولايَ مِنْ رَسَائِلِي السَّابِقَِةَ إليكَ بأنَّ دَوْلتَكَ تَحَوَّلتْ إلى حَظَائِرَ ، يَحْكُمُ كلَّ حَظِيرَةٍ تَيْسٌ مُسْتَعَارٌ اتَخَذَ لنَفْسِهِ مُفْتِياً وتِلفَازاًً وصَحِيفَةً ووُزَرَاءَ وحَرَسَ حُدُودٍ وكِلابَ شُرطَةٍ وعِيدَ استقْلالٍ وخَرَجَ على النَّاسِ بكِذْبَةِ الوَطَنِ ثمّ صَدّق كِذْبَتَه !ـ
وبِلادُ الشَّامِ يَا مَوْلايَ انحَلَّ عِقْدُهَا مُنذُ زَمَنٍ ، فَلُبنَانُ يَمشِي على رأسِهِ ، وتِلفَازُ المَنَارِ الذِي يَقْرَأُ علينَا مَزَامِيرَ البَحْرَينِ بِحَنْجَرَةِ خَامِنِئِي صَبَاحَ مَسَاءَ ولا يَقرأُ عليْنَا ولو آيةً واحِدَةً مِنْ سُورةِ سُوريَا فالحِزْبُ المُقَاوِمُ حَليفُ النِّظَامِ الخَانِعِ الذي لا يُقَاوِمُ ، والذي يُحَرِّمُ الدَّمَاءَ فِي البَحْرينِ لأنَّها شِيعيَّة يُحِلُّهَا في سُوريَا لأنَّها سُنيّة ثُمَّ يَقْرَعُ رُؤُوسَنَا بالطَّائِفِيَّةِ ومَا هُو إلا حِقْدٌ فِي الأصْلاب !ـ
ولَقَدْ كَانَ مِنَ الطَّبِيعِيِّ أنْ يَقَفَ الشِّيعَةُ هَذا المَوقِفِ فَقْد ظَنُّوا أنَّ قَلْبَ الأنْظِمَةِ لا يَكُونُ إلا تَحْتَ رايَةِ الفَاتِحِ الأمرِيكِيّ ولكنَّ أحفَادَ أبي بَكْرٍٍ الصِّديقَ فِي مِصْرَ وتُونُس أثبَتُوا أحقِيَّتَهُم بِدَمِ الحُسينِ فَإمَّا أنْ يُسرَجَ قِندِيلُ الحُرِيَّةِ مِن دَمِهِمْ أو لا يُسرَج وإلا مَا قِيمَة اسْتِبدَالُ حذَاءٍ ضَيِّقٍ بِحِذَاءٍ أضيقَ مِنه !ـ
وبالعَوْدَةِ إلى بِلادِ الشَّامِ ، فَفِلسْطِينُ وللهِ الحَمْدُ مَا زَالتْ علَى الخَارِطَةِ وإنْ بتَسْمِيَةٍ أخرَى ، والأردُن أُبَشِّركَ يا مولايَ بأنَّ مَجْلِسَ التَّعَاوُنِ قَدْ فَتَحَهَا وسَتَلعَبُ في خَليجِي 21 ! وسُوريَا استَبَاحَ دمَهَا العَلَوِيّ ابنُ العَلَوِيّ وتَحَوَّلَ المُمَانِعُ بالثَّرثَرةِ والمُقَاوِمُ الذي لا يُقَاوِمُ مِنْ طَبيبِ عُيُونٍ إلى جَرَّاحٍ ولأوَّلِ مَرَّةٍ مُنذُ أنْ فتَحَ سَعدُ بن أبي وقَّاص سُوريَا تُمنَعُ الجُمَعَةُ هُناكَ . وحَمَل ابنُ حَافِظ على دَرعَا فأمعنَ في أهْلِهَا تَقْتَيلاً وحَفَر أخدُوداً وأودَعَ جَثَامينَ المُندَسِّينَ فيه ونَسِيَ أنْ يقُولَ : بسم الله ربِّ الغُلام ! ولمَّا قَامَتِ المُدُنُ الأخرَى تَنتَصِرُ لدَرعَا وتَفْدِيهَا بالرُّوحِ والدَّمِ لم يُعِدْهُم خَائبينَ فَقَدْ قَبِلَ منهُم الفِدِاءَ وأخَذَ أروَاحَهُم ودِمِاءَهُم ومَنْ شَابَِه أبَاه فمَا ظَلَم !ـ
وكُلَّمَا أرَادَ تَيْسٌ أنْ يُرَاوِدَ الغَرْبَ _ الصَّامِتِ أصْلاً إلا على استِحيَاءٍ _ عَنْ صَمْتِه هَدَّدَهُم بالقَاعِدَة فَفَي اليَمَنِ تَنَادَى قَوْمُ صَالحٍ فَقَتَلهُم حِفَاظاً على النَّاقَة التي أوّلهَا المُفَسِّرُونَ بالكُرسيّ وبينَ مُبادَرَةٍ ذهَبَتْ وأُخرَى سَتَجِيءُ علَى مَزيدٍ منَ النَّاسِ أنْ يمُوتُوا ريثَمَا يُقَرِرُ على عبد الله بأيّ صِفَةٍ سَيُوقِّع هل بِصِفَتِه رئِيسُ دَوْلَةٍ أو رئيسُ حِزْبٍ حَاكِمْ !ـ
وفِي ليِبيَا قَامَ أحفَادُ عُقبةَ بن نَافِعٍ إلى المُختَلِّ مُعَمَّر القَذَّافِي ليَعْزِلُوه فَأخَبَرَهُم بأنْ لا مَنْصِبَ رَسْمِيّ له ليَسْتَقِيلَ منه واعتَذَرَ عن عَدَمِ وجُودِ كِتَابِ استِقَالةٍ يَرمِيه في وجُوههم ولكنَّهم اعتَذَرُوا عن قَبُولِ اعتِذَارِه فأعمَلَ فيهم آلةَ القَتْلِ فَقَالُوا له قَوْلَةَ جَدِّهِم عُمر المُختَار : نَحنُ قَومٌ لا نَستَسلِم ننتَصِرُ أو نمُوت !ـ
ولمَّا خَافَ الرُّومُ على نِفطِهِم أرسِلُوا حِلفَ النِّيتُو ليَسْتَبِزَّ هَؤلاء وهؤلاء فلا هُم مَعَ الشَّعبِ ولا هُمْ مع المَعتُوه وعلى النَّاسِ هُناكَ أن لا يكُونُوا معَه ولا مَعَهُم
ونَسيتُ يا مَولايَ أنْ أسألكَ عن حَالِ أسَامَة عندَكُم فقد غَادَرَنا مُنذُ أيِّامٍ إليكُم أخْبِره بأنِّي سَمعتُ صَوتَه البَارحَةَ فاشتقتُ له أكثَر وأخبِره أنَّ الدَّمَ الدَّم والهَدمَ الهَدمَ وأنَّه ويحَ بنِي الأمريكان
هَذه طَائفةٌ من أخبارِ دولتِكَ والبِقِيَّة تأتيكَ إنْ كانَ في العُمرِ بَقيَّة ولوقتِها قُبلاتِي ليَديكَ وسَلامِي لصَاحبَيكَ

من عبدِ اللهِ إلى أميرِ المؤمنينَ | الرسالة السادسة

 من عبدِ الله قس بن ساعدة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، سلامُ اللهِ عليكَ ورحمته وبركاته وبعد:ـ

بلغَنِي يا مَولايَ أنّك مَررتَ بقَومٍ يُخطِئُون في الرّمي ، فقلتَ لهُم : أصلِحُوا رَميَكُم . فقَالُوا : إنّا قَومٌ مُتعلِّمينَ . فقلتَ : واللهِ لخطَؤُكُم في لسِانكُم أشَدّ عليَّ من خطئِكُم في رميِكُم . فلتصْفَحْ عن لحْنِي يا مَولايَ فالّلغَةُ انقلبَ عالِيَهَا سَافِلَها ، والكتَّابُ اليومَ إمّا عَرَبٌ مُستعجِمُون أو أعاجِمُ مُستعربُون ، ولم يرحَمْ ربِّي إلا القليل وما أجِدُ نفسِي في عِدادِ من رُحِمُوا ! لقَدْ جاعَ النَّاسُ يا مَولايَ فأتَوا أصنَامَهُم بعدَ أن حَسِبُوها من تمْرٍ فإذا هيَ ـ أكرمَكَ اللهُ ـ من رَوثِ البهَائِمِ ، فقذَفُوا بها خَارِجاً وارتأوا بعدَ اليومِ أن يجُوعُوا ولا يُذلّوا . فهلْ أتاكَ حديثُ زينِ العَابدينَ الذي خنقَ صَوتَ الأذانِ بأصَابعَ من مَسَدٍ ، ومنَعَ الحِجابَ في الجَامعَاتِ والدَّواوينِ الرَّسمِيّةِ حفَاظاً على مظْهَرِ الدَّولَةِ الحَضَارِيّ فظنّ أنَّ البِلادَ التي وَرثَها عنْ طاغيةٍ قبلَه ـ كانَ قدْ منَعَ الصِّيامَ لأثرِهِ السَّلبِيّ على عجَلَةِ الإنتَاجِ ـ رقعَةَ شَطرنْج له فكُلما رفعَ أحدٌ رأسَه قالَ له : كِشْ . فقَامَ إليهِ النَّاسُ قومَةَ رجُلٍ واحِدٍ فكَشّوه . وقبلَ أنْ يُفرِّقُوا دمَه بينَ القبائِلِ دبَّرَ أمرَه بليلٍ وفرَّ كالجِرذِ فما استقبَلَه الرُّومُ الذينَ أفنَى عمرَه في خِدمتِهم فأجارَه حُكَّامُ البِلادِ الطَّاهرةِ ، فقدْ بلغَ واليَهَا أن النبِيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال : أحضِرُوا كلَّ الفاجِرينَ إلى جزيرةِ العَربِ ! وأسْكنُوه جدّة فغَرِقَ الشُّرفاءُ هُناكَ ونجَا ، وحمْداً للهِ أنَّه قد نجَا وإلا لدفَنَه الوالِي في البَقيعِ بجانِبِ طنطاوي الذي أفتَى بجَوازِ حصَارِ أهلِ غزَّة مُتناسياً أنَّ امرأةً دخَلتِ النَّارَ في هرَّةٍ لا هيَ أطعمَتها ولا هيَ تركتْهَا تأكلُ من خشَاشِ الأرضِ . لكَ يا مولايَ أن تبكِي قوماً مُسلمِينَ بعجَائزِهِم وشُيوخِهِم ونسَائِهِم ورجَالهِم وبناتِهِم وصِبيانِهِم ورُضَّعِهِم لا يُسَاوُون في عُرفِ سيّدِ القِياسِ هرّة ! وبمَا أنّكَ القائِل : لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعُنِي فلا بأسَ أن تقتَصِدَ في الفَرحِ فالإسلامُ لمْ يدخُل المعركةَ بعد لأننا ما زلنَا نهُوجُ ونمُوجُ قائلينَ : عُضّ دينِي واتركْ رغيفِي . ويومَ يقُولُ أحدُنا : هاكُم رغيفِي كلُوه عن آخر كِسْرة واتركوا دينِي . وقتذاكَ سيصبِحُ الإفراطُ في الفَرحِ أقلّ واجِب . ونَسيتُ أنْ أخبركَ يا مولايَ بأنَّ أهلَ مِصرَ ما زالُوا كآخرِ عَهدِكَ بهِم شُرفاءُ أنقِياءُ فقدْ قامُوا إلى فرعَونِهِم ليحْطِّموه فما كانَ من الفِرعونِ إلا أن أصدَرَ أمراً بحظْرِ التَّجوالِ فخَرجَ له في اليومِ الثَّانِي ثمانيةُ ملايين وقالوا له قولةَ رجُلٍ واحدٍ : تباً لك ! فحمَلَ عليهِم بخيْلِه ورجِله وجمَالِه وشُرطتِه على مرأى من العَالمِ ومسْمَعٍ فأدانَه العالمُ في العَلنِ وقالَ له في السِّر : اثبتْ حُسنِي فإنكَ أوفى كلابنا في بلادِ بني العَربِ ! فثبَتَ وقتلَ منهُم كثيرٌ وهم العُزَّلُ إلا من حناجِرهِم ولافتاتٍ صَارَ الغربُ المتحَضِّرُ معها أمياً لا يقرأ وتحوّلَ الشَّعبُ بعرفِ بني الأصفرِ من مصْدَرٍ للسُّلطاتِ إلى مصدرٍ لإثارةِ الشّغب ! حينذاكَ خرجَ علينا العُبيلانُ شَاهراً فتواه قائلاً : إنَّ الشعبَ ليسَ من أهلِ الدِّيانة ! فحُسنِي وليّ أمرٍ طالمَا سهِرَ على راحَةِ الرَّعيّةِ فإن كنتَ يا مولايَ طبختَ ذاتَ ليلةٍ بارِدةٍ لليتامى الذين تحلَّقُوا حولَ أمٍ وضَعتِ الحجَارة في القِدْرِ لتشتريَ سُكاتَهُم فإنه لم ينمْ ليلةً حتّى يطمئن أنّ كل الرَّعيّةِ بخيرٍ . وإذا كنتَ صبيحَةَ اليَومِ التَّالي اشتريتَ مظلمَة تلكَ المَرأةِ فقد اشتَرى هو مظلمَةَ ثمانينَ مليوناً ثم باعَ مظالِمَهُم فربِحَ ما يربُو على ستِّين ملياراً وقدْ أحلَّ اللهُ البيعَ وحرّم الرِّبى . وإذا كنتَ تخشَى أن تتعثر دابةٌ في أرضِ العِراقِ فيسألكَ اللهُ لمَ لمْ تُصلِحْ لها الطريقَ يا عُمر ، فقد قالَ وإخوتُه من وُلاةِ أمُورنَا للرُّومِ : هذا العراقُ فادخلُوه بسَلامٍ آمنينَ ! هذهِ بعضُ أخبارِ دولتِكَ والبقيَّةُ تأتيكَ إنْ كانَ في العُمرِ بقيةٌّ ولوقتِهَا قُبلاتِي ليديكَ وسَلامِي لصَاحبيْكَ

من عبدِ اللهِ إلى أميرِ المؤمنينَ | الرسالة الخامسه

 من عبدِ الله قس بن ساعدة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، سلامُ اللهِ عليكَ ورحمته وبركاته وبعد:ـ

  منذ مدَّةٍ لم تُوَلِّ كلماتي وجهها شطر صندوق بريدك …  أعرفُ أنَّ مثلكَ غنيٌّ عن انتظار خربشاتي غير أني فقير لكلمةٍ أغمسها في قرارة الجرحِ وأُغلَّفها بالدَّمع ثم أتركها لتباركها نظراتك   أعرفُ كم صِرتُ مملاً إذ أني أمتهن البكاءَ والنحيبَ ، ولكنّك لا تعرف أنَّ البكاءَ صار وجبتنا اليوميَّة على مائدةِ الوقت … لهذا أعذرني يا مولاي إذ جاءكَ بريدي مخضباً بالعجزِ ومشكولاً بالمذلَّةِ هويتي وهوية القوم على غيابك .ـ  منذ مدَّةٍ والرَّسَالة الخامسةُ تتحشرجُ في صدري … حاولتُ وأدها صدقني … أهلتُ عليها التُّراب غير مرَّةٍ ، ولكني كلما استيقظتُ صباحاً وجدتها غادرت حفرتَها لتسكنني مجدداً …   لقد صرتُ قبراً يا مولاي ودولتك المترامية الأطراف صارت مقبرة !ـ صَدِّقني حاولتُ أن أتوقَّفَ خشيةَ أن أُفسد عليكَ متعة اللحظة بجوار بارئك ، ولكني كبرتُ وكبر معي قولُ جدِّي عنك يومَ قُلتَ : لو أنَّ دابةً عثرت بأرضِ العراقِ لخشيتُ أن يسألني الله عنها لِمَ لَمْ تُصلحْ لها الطريقَ يا عُمَر !ـ  قَدَرُ الكبارِ يا مولايَ أن يُتعبَهم الصِّغار بأخبارهم … فلتبسطْ رداءكَ لنشْرةِ الأخبارِ فقد حان وقتُ حصَادِ اليوم !ـ  الرُّومُ طابَ لهم المقام في بغدادَ ، فقد ماتَ خالد بن الوليد ، وتبعَه أبو عبيدةَ بن الجراح ، ولم يبقَ فينا إلا النساء ، وجهاد المرأةِ الحج ، والحجُّ لا شوكَةَ فيه !ـ  كلابُ إيسافَ المسعورةَ هجمت على هلمند ، وبترايوس يهدد العُصاة من على منبر قناة العربيَّة !ـ  أبو لهبٍ أجرى عمليَّةً جراحيةً لاستئصال المرارةِ من خاصرته لا من حياتنا ، فمرارتنا ستستمر طويلاً بدونكَ !ـ  المسْجدُ الأقصى الذي أسلمكَ سفرنيوسَ إياة صُلحاً أنهكته الحفريات ، وهو آيلٌ للسقوطِ ، ولكنْ لا تتوسَّم فينا خيراً وإن سقط ! فربَّاتُ الحِجَال لن يُغادرنْ خُدورهُنِّ لو هدموا البيت الحرام !ـ  مقامُ إبراهيمَ عليه السلام صادروه ، ومُعَمَّر القذافي أعلنَ الحربَ على سويسرا كُرمَى لعيونِ هنيبعلَ وتباً للمآذن !ـ  العربُ أعطوا الضوءَ الأخضرَ لمحمود عباس ليخونَ بإسمهم جمعاً.   الآن عرفتُ معنَى قول جدتي :ـ (فضيحة وعليها شهود ) !ـ  الطائراتُ الإسرائيليةُ المتخمةُ بالنَّفطِ العربِيِّ تجوب سماءَ غزَّة فلم يبقَ هناك إلا الهواء لم يُصادروه بعدَ أن ضربَ صَاحبُ المرارة بينَه وبينهم بسور !ـ  المَحكمةُ الدُّستوريَّة العُليا أمرتْ بإعادة تصديرِ الغاز كي يطهوَ أفيغدور ليبرمان طعامَه ولْتوقِدْ نِسوةُ غزَّة الحَطَب !ـ  هذه هي العناوينُ الرئيسةُ ، أمّا التفاصيلُ فتأتيكَ بعدَ وقفةٍ مع الإعلانِ ، لن تكونَ طويلةً ولكنَّها كافية ليلفظَ طفلٌ أَنفاسَه الأخيرةَ بسبب نفاذ الدَّواء ، وليطلقَ الجنودُ ما تيسَّر من القنابل المسيلةِ للدموع ، وليذرفَ الزعماء العرب مزيداً من الدموع كما تفعل التماسيح على بقايا الفريسة !ـ  هذه كانتْ رسالتي الخامسة إليك ، السَّادسةُ تأتيكَ إن أخطأتني أسنانُ التماسيح …   وإلى تلك اللحظة التي تعانقُ فيها كلماتي وهجَ عينيكَ قبلاتي ليديكَ وسلامي لصاحبيك َ.ـ

من عبدِ اللهِ إلى أميرِ المؤمنينَ | الرسالة الرابعه

من عبدِ اللهِ قس بن ساعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمر بن الخطاب سلامُ اللهِ عليكَ ورحمتُه وبركاتُه وبعد :ـ
هذه رسَالتي الرابعةُ إليك … منذُ أيام وأنا أُحاولُ أَن أَجعلها جَرعةً مخففةً من الألم ولكني فشلتُ
فالكتابةُ يا مولايَ ليستْ فنَّ استحضارِ الوجودِ من العَدم , ولا حِرفَة تحويلِ الأنينِ إلى زقزقة , لذلكَ فليك نْصدرُكَ رحبَا على عادتِه , فإنَّ رسَالةً بوميةً أُخرى تقرعُ صندوقَ بريدِك
بلغَني يا مولايَ أنكَ أرسلتَ عمرو بن العاصِ لفتحِ مصرَ وأنَّكَ رافقته يومذاكَ حتى حدودِ المدينةِ مودعاً ولم تنسَ لحظتَها أنْ تقرعَ على مسامِعهِ وصَايا رسولِ اللهِ صَلى الله عليهِ وسلَّم الإرهابية في الحرب : ـ
لا تخونُوا ولا تغدِرُوا ، ولا تمثِّلوا بالقتلى ، ولا تقتلُوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراَ ولا إمرأة، لا تعقِروا نخلةً ولا تحرقوها، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً، ولا تذبَحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلا للأكلِ، وإذا مررتُم بالذين يتعبَّدون في صوامِعِهم فاتركُوهُم لشَأنِهم، وعلى هذا فسيروا على بركةِ الله
هذا الإرهابُ المتنطِطًُ من بينِ ثناياكَ هو الذي دفَعَ المؤرِّخ الفرنسي غوستاف لوبون ليقولَ : ـ
ـ” لم يعرف التاريخُ فاتحاً أَرحمَ من المُسلمين ”
غير أَنَّ هذا الكلام لم يعجب الليبراليينَ العرب , الذين يسبَّحون بحمدِ المحافظين الجدد , ويحاوِلُون ليلَ نهارٍ تجميلَ وجهِ إلهِ الديمقراطيَّة وحقوقِ الانسان أمريكا . ولكن كما قالت العربُ قديماً :  ” ماذا تفعلُ الماشِطةُ بالوجهِ العكِر  ”
وإليكَ يا مولايَ قصَّة أمريكا هذه – مِنطَقطَق الى السَّلام عليكُم – . فإنَّ بحاراً يُدعى كريستوف كولومبُوس , وهو من أصل إيطالي , أرسَلته ملكةُ البُرتغال الى الهندِ , ولكنَّه ضلَّ الطريقَ , ووصلَ إلى العَالمِ الجديدِ الذي فرِحَت به أُروربا , فنفَتْ إليهِ المجرمينَ الذينَ غصَّت بهم السُّجونُ إلى هناكَ. فتكَالبوا على الهنودِ الحمر سكانِ البلادِ الاصليينَ
وأمعنوا فيهم قتلاً , وبحكمِ الحاجَةِ إلى سُلطة في ظل الإجتماع الإنساني كما يقولُ ابن خلدون قاموا بتأسيسِ سُلطة على شاكِلتهم . ولكنَّهم مع الوقتِ استطاعوا تجميلَ صورتِهم عن طريقِ هوليوود , وربطاتِ العنقِ , وبيتزا هَات , وهارديز , والعم دونَالد . وهم بكلِ هذا معتَمدين على جاذبيَّتِهم اللهُمَّ الا قليل من القنابلِ الذريَّة , وصواريخِ كروز , وتوما هوك , وطائراتِ ” بي 72 ” و ” أف 16 ” ـ
أمَّا هوليوود يا مولايَ فهي ماشِطتُهم التي تحاولُ تجميلَ وجهِهِم العَكِر . فقد انتجُوا فيلماً أسمُوه بيرل هاربار , قامَ ببطولته بين أفليك, وهذا الفيلم يحاولُ أَن يقنعنَا أنَّ ضربَ هيروشيما و ناكازاكي جاء رداً على الهجومِ الياباني على بيرل هاربار , وهو ميناءٌ عسكريٌ بالمناسبة , ولكن المزري يا مولاي أنَّ الهجومَ اليابانِي كان عام 1941 , في حين أن الرئيس الامريكي هاري ترومان أَعطى التصريحَ باستخدامِ السَّلاح النووي ضد اليابان عام1945  وفي السَّادسِ من آب ركبَ الطَّيار الأمريكي بول تيبتيس طائرتَه اليونا جاي وألقى قنبلةً على مدينةِ هيروشيما فخلَّفت قوةً تدميريةً تعادلُ  ألفَ طِن من الديناميت فقتلت في دقيقةٍ واحدةٍ ثمانين ألفاً أمَّا الجرحى فماتوا بطيئاً بعدها بفعلِ الإشعاع
وبعد ثلاثةِ أيامٍ أي في التَّاسعِ من آب ألقوا قنبلةً على ناكازاكي المفرح في الأمر أنَّه لم يكنْ هناكَ جرحى فقد ماتَ الجميعُ وكانَ عددهم سبعون ألفاًأي أنَّ أمريكا يا مولايَ قتلتْ في أربعةِ أيَّام 150000 أي أكثر مما قتلَه المسلمونَ في حروبِهم منذ بعثةِ النبي صلى الله عليه وسلة حتى 11 سبتمبر في منهاتن
وبالعودةِ إلى عمرو بن العاصِ يا مولايَ _ واعذُرنِي على هذا الإستطرادِ إلاَّ أني عكفتُ على الجاحظِ في أيَّامي الأَخيرةَ فأعداني _ فإنَّه سَار على بركةِ الله , وطلبَ منكَ مدداً فأرسلتَ إليهِ القعقاعَ بن عمرو, وقلتَ له مقولةَ سيدنا أبي بكر: إنَّ جيشاً فيه القعقاعُ بن عمرو لا يُهزم أبداً . ووصلَ ابن العاصِ بجيشِه إلى مدينةِ عين شمسه“هليوبوليس”، وقامتْ خطتُه على أن يجتذبَ إليهِ جند الروم لينازلهُم خارجَ الحصنِ، ولم تكن للعربِ وقتئذ خبرة تامة باقتحامِ الحصون والاستيلاءِ عليها . ثم إنَّ الرَّوم أكلوا الطعمَ , وخرجوا وأتمَّ الله الفتحَ . ومصرُ منذ ذلكَ الحينِ تدينُ بلا اله الا الله محمد رسول الله . وهي باقيةٌ على هذا ما دامَ الليلُ والنَّهار . وإني لأبشَّركَ يا مولايَ أنَّ مصرَ كانت بلدَ الشهداءِ والعلماءِ على مرِّ التاريخِ , فإنَّ العزَّ بن عبدِ السَّلامِ باعَ الأُمراءَل تجييشِ الجيوشِ , ولما دانت الدنيا للتتر كانَ أَهلُ مصرَ يدافِعونَ عن الإسلامِ وحدهُم , فحفظَ اللهُ الدِّينَ على أيديهم غيرَ أَنَّ حُسنِي مُبارك يا مولايَ خلعَ رداءَ العزَّة , وتسربَل بالذُّل , وقام خطيباً بعد مباراةِ الجزائِر ومصر ليقولَ : بأنَّه لن يسمحَ لأَحدٍ أن ينالَ من كرامَةِ أَهلِ مصر وكأنَّ كرامةَ أَهلِ مصر تُهان بهدفٍ يدخلُ في شبكَة !ـ
إنَّ أهلَ مصر يا مولاي تُؤذيهم السَّفارةُ الإسرائيليةَ في القاهرة , ويُؤذيهم أن يعتمِدوا على المعونَةِ الأمريكيةِ بعدَ أَن كانُوا يطعِمونَ الدُّنيا كلها زمنَ يوسف عليه السلام فإنَّ من كانَ عندَه دلتَا النِّيلِ حريَّ بهِ أن لا يخشى الجوعَ أبداً . ويؤذيهم يا مولايَ حصارُ غزَّة وأَن تمدَّ أمريكَا اسرائيل بالفوسفورِ الأَبيضِ ويحدِّثهم مبَاركُ عن بطولاتِه بمنعِ تهريبِ السِّلاحِ إلى غزَّة , ويؤذيهم سحب السفير المصري من الجزائر والابقاء عليه في تل أبيب , ويؤذيهم البيوت التي تهوي فوقَ رؤوسِ سَاكنيها , ويؤذيهم عمرو سُليمانُ وجنُودُه
كانتْ هذه رسَالتي الرَّابعةُ يا مولاي … أَعرفُ أَنَّ بريدي مطرزٌ بالدمع ولكنِّي أُحبُّ أْن أَكتبَ إليك
ألقاكَ في رسَالةٍ أُخرى إنْ كانَ في العمرِ بقيَّة وإلى تلكَ اللَّحظة التي تعانِق كلماتي وهجَ عينيكَ قبلاتِي ليديكَ وسلامي لصَاحبيك والسَّلام