عكا قمر |( 14 )|

 حمى ماقبل البداية
 صباحُ بحرِ عينيكِ الأزرق
والشوقُ كل يوم يا عكا أعمق
تفاصيل الحمى
  كيفَ حالكِ يا حُلوة
وغزلُ البحر في عينيكِ كيف ؟
والمراكبُ التي تأوي لحضنكِ كل مساء كيف ؟
والسورُ الممتد حولَ عنقكِ كالقلادةِ كيف ؟
وحناجرُ المآذن التي تشربُ الغيمَ كيف ؟
والأرصفةُ المعتقة بالملح  كيف ؟
هدّني الشوقُ  ولم أَكنْ أعرفُ قبلكِ مدينةً
تحترفُ ذبحَ العشاقِ بالصَّمت
جلالتكِ هل تعرفينَ هذا البريدُ المخضَّب بالحنينِ ممن؟
إنه مني
لا تتعبي نفسك ِ بنبشِ الذاكرة فنحنُ لم نلتقِ
لم تسرجي لي شعركِ لأمتطيَ صهوةَ الوقت
لم تكفنيني بيديكِ لأدركَ روعةَ المَوت
لم تمنحيني تأشيرةَ الكُحلِ لأقرأَ سيرةَ النوارس
الحُبلى بحكايا البحر
لم تراوديني عن قلبي
لم تطلبي مني قتلَ كل اللواتي عرفتهن قبلك
انا قتلتهن بخاطري
ولكن لأجلِ عينيكِ
صباحُ الشوق أيتها الكنعانية الشقيَّة
صباحُ اللحظاتِ الموحشةِ بدونكِ
صباحُ القهوة التي فقدَت رائحتها على غيابكِ
ما رأيكِ لو نستعيد صباحاتنا الماضية
فنجانُ قهوةٍ نرتشفه على الشرفة
أنا وأنتِ فقط
ولنتقاسم الأدوار يا حُلوة
لكِ القهوة
ولي عينيكِ
اقرأ فيهما أناشيدَ المراكب
ومذكرات الأشرعة التي تناطح الأفق
وأقرأ لهما كل ما كتبته فيهما
ألا يعتريكِ الفضول لتسمعي ما لم أقله يوما لفاتنةٍ من قبل
صَباحُ الدَّمعِ بقدر ما بكيتُ بعدكِ
صَباحُ الذكرياتِ بقدرِ ما أَنهكتني مواعيدنا السابقة التي لم تحصل
صَباحُ اللَّهفة وكل من يلقاك يُدمِنكِ
صَباحُ الموج …ـ
صَباحُ الملح …ـ
صَباحُ الإفتقاد …ـ
صَباحُ الإنتظار … ـ
صَباحُ الترقب  …ـ
… صَباح أشياء كثيرة
لا تستطيع اختزال المسافة الفاصلة بيني وبينكِ

صَباحُ الخير هنا غزة

صَباحُ الخير هنا غزة
وحده الهواءُ حصل على تأشيرةِ دخولٍ هذا الصباح
أو لعله غافل حرسَ الحدود كما فعل صبيحة البارحة
الهواءُ متسللٌ بارع
وساعي بريدٍ يحمل اعتذار الطيبين على الجهةِ الأخرى من المعبر وجدارٌ من أسفلوأمٌ تحصي ما تبقَّى من حباتِ الأرز
وأبٌ يحاولُ أن يتكهنَ أيُّ أولاده سيظهر على الجزيرةِ
(exclusive )
قِطعتين
وعجوزٌ توقف قلبُها احتجاجاً لأن زجاجة الدواءِ تأخَّرتْ في المجيء
وشيخٌ أنهى سورة الإسراءِ دونَ أن يسمعَ طلقةً واحدة ،
مخيفٌ هو صمت غزة !
وطفلةٌ تركتْ المركبَ بلا شراعٍ لأن القذيفةَ الأخيرة بعثرتها وبعثرتْ علبة التلوين
وصبيٌّ لم تنضجْ لغتُه بعد ليشرحَ لأخيه الرضيع العلاقة الجدلية بين حليب “نيدو”وبين ضرورياتِ أمن مبارك القومي !
وعروسٌ كانتْ على بعد أيامٍ من ثوبها الأبيض فطال الإنتظارُ لأن خطيبها ذهب ليضربَ صاروخين فلمْ يرجعْ بعد !
تصلحُ الألوان البيضاء للأكفانِ أيضاً
ويحدث في غزة أن يفترقَ العشاق على بُعد ذراعٍ من الحلم
ويحدثُ كثيراً أن تموت القُـبلُ قبل أن تولدصَباحُ الخير هنا غزة
مدينةٌ لم تنمْ ليلة أمس !
لا لأنَّ ريدو جانيرو أقنعتها أن تجرِّب العربدة تحتَ ضوءِ القمر
فغزةُ لا تعرفُ من البحرِ سوى حصَار اللون الأزرق !
ولا لأن كؤوس المارتيني أطارت النوم من عينيها
فالمعدة الخاوية يكفيها صُورة رغيفٍ لتثمل !
بل لأنها كانتْ تحرسُ جرحَها من إخوتِها وأعدائِها في آنٍ معاً
لا يمكنُ تركُ الجروحِ مُشرعةً كالقمحِ للطيور الغادية !
لأنَّها تعرفُ أنَّ الوقتَ يجترُّ ثوانيه ألف مرَّة
وأنَّ التاريخَ حكواتي يمتهنُ سردَ القَصَصِ ذاتها
وأنَّ يوسفَ سَلِمَ من الذئبِ ولم يسلمْ من أخوته
ذَنْبُ يوسف أنَّه كانَ جميلاً … جميلاً فقط !
على غزةَ أنْ تدفعَ ثمنَ جمالها ثمن أنها جملة اعتراضية لا تشبه النصَّ الموجودة فيه
حاولتْ أن تكون جملةً مطيعةً بين فاصلتين فلم تفلح !فاختارت _ بعد أن فشلتْ في ترويضِ نفسها _ أن تجوعَ ولا تعرى
ومن يومها وهي تخصفُ لتداويَ جروحها
وتواريَ سَوْءَة إخوتها بانتظار أن يستعيدوا رُشدَهمصَباحُ الخيرِ هنا غزة
مدينةٌ غاية في الرفاهيةِ والهَاي هَاي
فقد بدأتْ تمارسُ اليوغا قبلَ جهجهةِ الضَّوء
وعما قليل ستتناولُ فطورها الخالي من الدسم حفاظاً على مستوى الكوليستيرول
وقد تسرِّح شعرها ومن المؤكد أنَّها لن تنسى المانيكور والباديكور
وبعدها سترتشفُ فنجان قهوة على أنغامِ الموج ، ألمْ يضعها حظُّها الحلو قربَ البحر ؟!
وقد تقرأُ كتاباً كمحاولةٍ لقتلِ المللِ فلا شيء لديها لتفعله
ما رأيكم بهذا الكذبِ الذي وردَ أعلاه ؟!
غزة مدينة موغلة في الزهد حتى النخاعِ رغماً عن اللي ” خلَّفوها ” طبعاً
إنها تربطُ حجراً على بطنها !
ريجيمٌ قسري … ووجباتُ فطور منزوعة من الكورن فلكس …
والتوست المُقرمشْ … والجبنة التي تغني ” سواح ” بفعلِ الحرارة … وشاي الامير أحمد !
وغلاء البيبسي نصف ريالٍ خبرٌ تافه هناك ، فالغالبيةُ لم تكن تملك ثمنها قبل هذا الغلاءِ الفاحش في الاسعار !صباح الخير هنا غزة
حكومتان ولا دولة !
وصواريخ أصابها الكسلُ لأن الرنتيسي لم يعدْ يوقظها لصلاة الفجر
ولكن عياش ما زال يجري في دورتها الدموية
لأنها تأبى أن تتخلى عن هوايتها المفضلة إذلال جلاديها
فهي كل يوم تلقنهم درساً في حرب العضِّ على الأصابع
لم تصرخْ غزة بعد رغم أنها فقدت تسعة اصابع
ما حاجة غزة للأصابع التسع ، ما دامت سبابتها منتصبة
بإصبعٍ واحد تؤدب غزة غزاتها تعلمهم أنه لا يمكن تهديد حزمة بخور بعود ثقاب
فبالثقاب يحصل البخور على تأشيرة الشذى
ما أجملها وهي تتضوع عطراً
ما أجملها وهي ترقص في كرنفال البارود والنار

يومَ حزَمَ الوطنُ حقائِبَه

 


بابٌ مُوصَد
.
.
حينَ لا تجدُ ما تكتبُه / تكذِبُه عن الوطنِ فهذا لا يعني أنَكَ زاهدٌ في الكذب
ربما الذين كتبُوا / كذبُوا قبلكَ لم يتركوا لكَ خرمَ إبرةٍ لتقحمَ كذبكَ فيه
.
فرقٌ كبيرٌ بين ممارسةِ الزهدِ من بينِ أشياء كثيرة متاحةٍ للمُمَارسة
وبين ممارستِه على أنّه الخيارُ الوحيدُ المتاح
أحمقٌ قال لكَ : إذا أردتَ أنْ تسبرَ أغوارَ الآخرين وسِّع خياراتِهم

من شِقّ في الباب
.
.
رجلٌ قبلَ السبعينَ بخطوةٍ قالَ لكَ
– وهوَ يحاولُ أنْ لا ينفثَ روحَه مع دخانِ لفافتِه – :
إذا عزمتَ على المسيرِ فابتعْ حذاءً متيناً
واحذرْ أن تنتعلَ قلبكَ كخطةٍ بديلةٍ عن عناءِ السَّفر
أنْ لا تصل أبداً خيرٌ من أن تصلَ مُلوّثاً
.
زوجتُه قالتْ لكَ
– وهي تكنسُ أزهارَ الياسمينةِ التي لا تكفُّ عن التَسَاقط – :
ما حاجتكَ إلى وطنٍ حينَ يكونُ لديكَ أنا ؟!

على عتبةِ الدّار
.
.
كانُوا ثلاثة ورابعُهم / أحمقُهم شربَ الوطنُ من دمِه حتى / حدَّ الإرتواء
ثم أعطاه وساماً من رتبةِ فارِس
والفَرسُ فراشُها بارد
والعجوزُ تضعُ الصّدقة فوقَ الصّدقة مهراً لعُلبةِ الدّواء
وذاتَ شَجنٍ هرعَ الصِّبيةُ كلٌّ إلى حضنِ أبيه
وقفَ الصغيرُ مُسمّراً متسائلا ًكيفَ بإمكانِ وطنٍ كبيرٍ أن يكونَ أضيقَ من حضن ؟!

.

.
في الطريق الى الوطن
.
.

حين كنتَ صغيراً سألتهم عن الوطنِ فأخبروكَ أنّه حزم حقائبَه ومضَى …
سألتهم إلى أين ؟
قالوا لكَ : ” هُسْ ” الحيطانُ لها آذان
فتساءلتَ كيف يمكنُ للجدرانِ التي تواري سوأتكَ أن تشيَ بكَ
وكنتَ كل يومٍ تأوي إلى فراشكَ وأنتَ تظنّ أنّ الوطنَ ذهبَ إلى منفاه بوشايةِ جدرانِه
.
.
وحينَ كبرتَ علمتَ أنّ الجدرانَ ليسَ لها آذان
وأنّها بعكسِ البشرِ عاجزة عن الوشَاية
وفهمتَ أنّهم أرادوكَ أن تسكت
وأنّ الوطنَ ذهبَ لأنّه اختنقَ بالصمت
.
.
حينَ كبرتَ علمتَ أنّ الوطنَ كانَ يريدُ أن يبقى
ولولا أنّ قومَه أخرجُوه ما خرج
أرادُوه أن يضحكَ حينَ يبتسمُ ابنُ الأمير
وأنْ يبكيَ حينَ يتعثرُ ابنُ الوزير
وأنْ يطربَ حين يعربدُ ابنُ الخفير
وأنْ يلبسَ السّواد حين ينقلعُ الكبير
وأنْ يبايعَ في اليومِ التّالي كبيراً آخر قبل أن يجففَ دموعَه
.
.
حينَ كبرتَ علمتَ أنّهم لم يمسِكُوا بتلابيبِ الوطنِ ويمنعُوه من الرّحيل
لوّحُوا له بمناديلِهم فقط وهو يتوسّد الطريق
ولحظة وصلَ الى آخر نقطةٍ في الوجع
قالوا له : الوطنُ وطنكَ متى أردت الرجوع !
وكانوا يعرفون أنّه لن يرجع
وكان يعرفُ أنّهم لا يريدونه أن يرجع
المعرفة الحقّة عذابٌ حق ! كان وطنهم هم
وطنُ الذين يأمرونكَ بالمعروفِ ويتجاهلون أنّ سكوتهم عن أشياءَ أخرى منكر أكبر !
وينهونك عن المنكرِ ولو أراحوكَ من خطاباتِهم لكانَ معروفاً أكبر !
.
.
يكفلُ الدستورُ حقكَ في الحياةِ ولكن عليكَ أن تموتَ كلّ يومٍ ألفَ مرّة
مُتْ كي تكونَ جديراً بالوطن
.
.
يعترفُ الدستورُ بحقكَ في انتخابِ برلمانٍ يلتئِمُ كلَّ شهرٍ مرّة
ليخبركَ أنّ الطريقَ إلى سدِّ العجزِ يمرّ من وسطِ جيبك
.
.
يعترفُ الدستورُ بحقكَ في المُسَاواة
مُتْ أولاً ! في المقابرِ يُوارى الجميعُ ذات الثرى
.
.
يقرُّ الدستورُ بحقكَ في المغادرةِ متى شئتَ
لا اعترافاً بحريتكَ ، بل لأنّ هناكَ الكثير منكَ
رحيلكَ لنْ يحدثَ فرقاً
فقدَ رحلَ الوطنُ وبقيت الحكومة تسيِّرُ الأمور
لا أحد يلوي ذراعَ الحكومَة ولا حتى الوطن
هل عرفتم لماذا حزمَ الوطنُ حقائبَه ؟

ارشيف المعذبين في الآرض

لكلِّ شيءٍ خُطوة أولى ، حتى للعذاباتِ …
ـ… وفي الطريقِ من الفردوسِ إلى التيه كانوا يتسَاءَلون ماذا ستفعلُ السنابلُ بقمحٍ كانَ من المفترضِ أن يكونَ لهُم ؟ـ
وماذا ستفعلُ الدوالي بعنبٍ لم يُخلفوا يوماً مواعيدَ قِطافِه ؟
وكيفَ ستنتفخُ أرغفة غيرهم على وَهْجِ تنانيرَ بنَوْهَا هُمْ على عَجَلٍ من طينٍ وماءٍ كأعشاشِ الدوريّ الصالحةِ لتزاوجٍ واحد ؟
وكيفَ لناياتٍ أوجَدُوها من قصبٍ لم يكنْ صالحاً إلا لمُشَاكسةِ الريحِ ، أن تحبلَ بهواءٍ خارجٍ من غير رئاتِهم ثم تلدَ أنغاماً من سِفاح ؟
وماذا ستفعلُ الطيورُ إن عادتْ ولم تجِدْهُم وهي التي ودّعتهُم في لعبةِ فراقٍ و لقاءٍ يتعاقبان كالليلِ والنهارِ فلا يُخلِفُ أحدٌ موعِدَه ؟
وكيف سَيُسْلِمُ الحمامُ هديله لغيرِ الذين أشبعُوه من فُتاتِ خبزِهِم ؟
وكيفَ سيميّزُ الغرباءُ بين قطعةِ أرضٍ وأخرى ، فللنازحين مقاساتٌ لا يتقنها قومٌ غيرهُم ، هم الذين يقيسون المسَافة بالخطوةِ ودقاتِ القلبِ …
هم البسطاء كماء المطر ، المركّبون كحكايا الريح في قيثارات الرعاة …
هم المادّيون المترقبون للفوارقِ بين حساباتِ الحقل وحساباتِ البيادر ، والروحانيون كصلوات العجائز لا تعرفُ من الدنيا غير ملامحِ قاطنيها لكثرةِ ما تتكررُ الأسماء !
هم حاملاتُ الجرار إلى النبعِ قبلَ أن تعرفَ المنازلُ استعطاءَ الماءِ من أنابيب … ذاهباتٍ خِماصاً … عائداتٍ بِطَاناَ … في دورةِ ريٍّ تعلموها وعلّموها … ورثوها وأورثوها … فسبحان من خلقَ كلّ حيِّ من ماء …
هم العشيرة كلها تتكاتف على عشيرةٍ أخرى في ” طوشةٍ عربٍ ” ينهيها الاجاويد بفنجانِ قهوةٍ عربيّة أيضاً …
هم الشيوخُ … يستيقظُ الفجرُ فيجدهم قد سبقوه لقيام الليل … والرجالُ يتعثرُ الصبحُ فيهم مزروعين على درب الحقل قبل أن تهتكَ الشمسُ أسرار الأشياءِ من حولهم …
فيهم قطاع الطرقِ … واللصوص … ورهبان الليل … والعُبّاد … والزهادُ … والغانياتُ … والقانتاتُ … والجاهلاتُ … والعارفاتُ … والقبيحاتُ … والفاتناتُ … الكنعانياتُ الممسكات بتلابيب القلبِ بحبلِ الغنجِ … المتضوعات بالزيزفون … السارقات حمرة شقائق النعمان لخدودهن … القابعات في خدورهن … فيهم العقلاءُ … والكرماءُ … والبخلاءُ … والشجعانُ … والجبناءُ … والتقاةُ … والعصاةُ … والحماةُ … والحفاةُ … والرعاةُ … فيهم كل ما خلق الله من ورى فوق الذرى
هم الذين كانوا أثناء ممشاهم إلى التية يظنون أنّها لن تكونَ خطواتِهم الأخيرة على هذه الأرض ولكنّها كانتْ !
لم يحفلوا كثيراً بمراسيم الوداع ، ولم ينثروا الخبزَ وراءَهم ليهتدوا بفتاتِه حين يرجعون ، فقد كانوا يحفظون الدربَ عن ظهرِ قلب
حملُوا ما يكفي لفراقٍ قصيرٍ فقط ، غير أنّ الأم اكتشفتْ في منتصفِ الطريقِ انّها في لحظةِ ارتباك تشبّثتْ بالوسادةِ وتركتْ الطفلَ في السرير ، فلمْ تسمحْ لهم حكايا الموت الجماعي التي قصّها الناجون الذين دبّر القتلة طقوسَ نجاتِهم بمراجعةِ كل التفاصيلِ الصّغيرة !
هم الخارجون كرهاً من أرضٍ لم يبقَ منها إلا حكايا جداتٍ ، وحفنة ذكريات ..

بأيّ لغاتِ الأرضِ أكتبُكِ أنتِ الخارجة من وطنٍ لفظته المجرّة عن مداره في لحظةِ ارتباك كونيّ ، وحين أرادوا إعادته وجدوا المدار مغلقاً ، والوطنُ مشمعاً باللون اللون الأحمر ومكتوبٌ على بابه : ” يُمنعُ دخولُ الغرباء ” .
يا غريبة …
ثمة أبوابٌ نأتيها كلّ نوبةِ حنينٍ طامحينَ أن نطرقهَا بأناملِ الفقدِ ، وحين نجِدُهَا مُوصَدة نكبرُ على عتباتِهَا ونشيخُ دفعةً واحدة … وحدَهَا الذكرياتُ تخبرنا أنّ خلفَ البابِ أشياء جديرة بالانتظار …
يا غريبة …
كانَ لا بدّ من منفى لِنُدركَ حجم الفاجِعَة ، وقيمَة أشياء كنّا نظنها جزءاً مملاً من حياتنا فإذا هي حياتنا كلها … وسنوات طويلة من الصّداقة مع الزّيتونِ ، والزّعترِ البرّي ، وضَوءِ القمر ، وزُرقةِ البحر ، انهَارتْ في لحظةٍ واحدةٍ … كم هي خائنة تلكَ الأشياء التي تيّمتنا وكنا نظنُّ أننا تيّمناها بدورنا فاكتشفنا ذات خديعة أنّها لم تكن سوى بائعة هوى تمضي مع من يدفع أكثر … ماذا ندفع الآن نحنُ الفقراءُ كما ينبغي … التعسَاءُ كما يستحقُّ الذين لم يسيّجوا أوطانهم …البؤساء كما يليقُ بالذين قاسموا خبزهم وزيتهم مع كلِّ عابرٍ دون أن يسألوه من أين أتيتَ وإلى أين تمضي !
وفي المنفى اكتشفنا كم نحنُ طاعنينَ في الهزيمة …
وأكتشفنا أنّ من خلعوا عنه وطنَه يستحيلُ أن تسترَه خيمَة …
واكتشفنا أنّه يلزمنا سنواتٍ طويلةٍ لنجيدَ الاستعطاءَ ، وسنواتٍ أطول لنألفَ الخيبة !
من أصحابِ حقولٍ إلى متسولي طحين ، وفي الخيام يكبرُ الكلُّ على الهمّ ويتكاثرون ويتوراثون ضيَاعهم ، وعلى حبّاتِ العدسِ – هبة شهود الزور على الفاجعة – يعيشون …
يُطلقون الرصاص عليكَ بيدٍ ويُلقِمُوكَ الملعقة في فمك باليد الأخرى ثم يربتون على كرامتك ويقولون لك : كم انتَ جديرٌ بالذل
عنْ صَبرا وشاتيلا ، وصِغارٍ كتبوا أرشيفهم بالدم قبلَ أن يتعلمَ أطفالُ العَالمِ الكتابَة
عن حواملَ بقرُوا بطونهُنَّ وسجّلُوا بالأجنّةِ أهدافاً في مرمى رسمُوه على جدارٍ
عن أمهَاتٍ نجَوْنَ من الذبحِ ليمُتْنَ كلّ يومٍ ألفَ مرةٍ بسكينِ ذاكرةٍ مشحونةٍ بالفقدِ
عن آباءَ آخرَ ما رأوه من الدُنيا رؤوسُ أبنائِهم متدلية على صُدورِهمعن جثثٍ لم يعثرُوا لها على أهلٍ ،
وعن أهلٍ لم يعثرُوا على جثثِ أحبتِهم ولو يلوّحُوا لهم بأيديهم مودِّعين ولم يتسِعْ الوقتُ لقبلةٍ أخيرةٍ
عن عائلةٍ دُفنتْ في قبرٍ واحدٍ من فرطِ المحبّةِ عن شجرةِ الدَّارِ شربتْ مندمَاءِ أصْحَابها حتى ثملتْ وهل التوتُ هناكَ إلا هذيانُ الأشجارِ على الراحلين؟!
عن جُروحٍ ينكؤها الحَمَامُ كلَّ مساءٍ وهل هديلُ الحمامِ هناك إلا تأريخٌ للمذبحة ؟!
عن فناجينِ القهوةِ لمْ تكملِ الجَاراتُ قراءَتها فقد خنقُوا أحاديثَ البنِّ على شفاهِ الفناجينِ
عن البئرِ يحنُّ للعجائزِ يغمِسْنَ دلالهُنَّ فيصفحةِ الماءِ ، فاتناتٍ يضَايهنَ وردة نرجسٍ متعبةٍ رغمَ أنهنَّ لم يعرفنَ من الوردِ سوى الشَّوكِ وأكاليلَ يلقيها زوارُ القبورِ عليهم كلّ عامٍ مرةً واحدةً تصادفُ ذكرى المذبحة
عن أرغفةٍ خبأتهَا الأمُّ في جنحِ العتمةِ لزومَ وجبةِ الفطور فتغمَّستْ بدماءِ من ناموا يحلمُون بلقائِها على المائدةِ صبيحة اليوم التالي …
عن المطرِ يتآمرُ مع الجناةِ فيغسِلُ دماءَ الضحايَا
عن وجوهِ الجدرانِ في الأزقة عن الداليةِ البيضَاءَ التي شربتْ من دمِ ابنِ الثلاثةِ أعوامٍ فلمَّا تفتقتْ عن عنبِهَا في العام التالي جاءتْ القطوفُ حمراءَ
عن موتٍ خبرُوه دونَ إثمٍ اقترفوه
عن وطنٍ ضربُوا معه مواعيدَ فماتوا على مرمى حجرٍمنه
باسمِ الأسيراتِ ماتَ المُعتصم !
باسمِ الأمهاتِ تبشرُهُنَّ القابلاتُ بمجيءِ العبواتِ النّاسفةِ
باسمِ الآباءِ يزرعونَ أبناءهم كالزيتونِ ثنايا الأرضِ المُقدَّسةِ
باسمِ الحافلاتِ المشطورةِ نصفينِ في شوارع تل أبيبٍ صارخةً باللهبِ ” أنْ بُوركَ من في النارِ ومن حولَهَا ”
باسمِ القدسِ يرطِنُ الفِرنجة في أرجائِهَا لغتهُم الثقيلة طوالَ النَّهارِ ليطبِّعُوهَا ، وفي الليلِ تنقلبُ عليهِمْ ، وتفتحُ بريدَ الشَّوقِ لقحَْطٍ وعَدنَان ، وحينَ يأتونَ صَباحاً ليمتحِنُوها ، تقولُ لهًم : ” قل أعوذ بربِّ الفلق ” ! فيتأففون من هذه المدينة الغبية !
باسم عكا تحاصرُ البحرَ
باسم يافا تصرخُ بالبرتقال : ” لسانُ الذي يُلحدونَ إليهِ اعجميٌّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبين ” .
باسم المسجدِ الأقصى يزعمونَ أنّه يطَأ على رأسِ هيكلهِم
باسم الضفةِ أرادها الخونة غصنَ زيتونٍ فصارتْ عبوةً موقوتة أخفتْ عن الجميعِ مواعيدَ انفجارِها
باسمِ غزة ، لم يعرفِ التاريخُ قبلها مدينة جائعة تُقاتل ، باسمِ جوعها تحوَّلتْ مزاريبُ الماءِ هناكَ إلى صواريخ
باسمِ حجرٍ أصم ما إن تمسَّه يدُ الصغارِ حتى يصيرَ من سجيلٍ
باسمِ ” يعْبُدْ ” أحراشٌ شربتْ من دمِ عزِّ الدينِ القسَّامِ فتحولتِ الأشجارُ إلى قناديل
باسم رائد أغلقوا البرَّ بوجهِه فامتطى صَهوة البحرِ … اعتقلوه … الاغبياءُ فاتهم أنَّ اقفاصَ العالمِ كلها لا يمكنهَا اعتقالُ صوتِ عُصفور
باسمِ نبي الأميين ظَهَرَ فدانتْ له العربُ ثم اخلفتْ وصاياه فلم تعدْ تشدُّ الرحالَ لمسراه
باسمِ سورةِ الإسراء تجمّعَ القتلة لتمارسَ فيهم الضحية ثأرها على مسمعٍ ومشهدٍ من حجرٍ وشجرٍ فلم يعدْ يصلحُ الإختباء
باسم الغرقد شجرٌ تعلَّم من البشرِ الخيانة
باسمِ نخلِ بيسانَ يوشَكُ ألا يثمرَ فيخرُجَ الدجال
باسمِ بحيرةِ طبريا تروي ظمأ يأجوج ومأجوج
باسمِ ” اللدِّ ” ورمحِ ابن مريمَ وموعدٌ لختام الحكاية
باسم المسيحِ يُحرِّزُ عبادَ الله إلى الطور
باسمها كلها حرفاً حرفاً ، حجراً حجراً ، شجراً شجراً ، بشراً بشراً ، ” إنَّ فيها قوماً جبارين ”
*ملاحظة :
باسم بإثبات الألف بحسب سيوبه والخليل تؤوّل ب نيابة عن او انادي او اخص
بسم باسقاط الالف لا يصح ورودها الا في معرض البسملة
الحِصَارُ آخرُ فلسَفاتِ بني العربِ
أنا والغريبُ على أخي وأنا وأخي غريبَان
.
.
وخلفَ الجدارِ غزّة…
دعُوها وشأنها ولا تهتِكُوا سترَ الصمتِ حولهَا
لا تجرّبوا الدخولَ إلى هناكَ ولو في الحلم
شوارعُها ليستْ مُعبّدة بما يكفِي لتليقَ بأحذيتكُم
ودمُها الذي لا يكفّ عن النزيفِ قد يُلطّخ ثيابكُم
لا تقرأوا كتبَ الشَّافعيّ كي لا تتذكروهَا
أوصِدُوا النوافذ بوجهِ الريحِ فقد يأتي محمّلاً برائحتِهَا رغماً عن حرسِ الحدودِ
ولا تستمِعُوا لحكايا البحرِ، فالمراكبُ هناكَ لا تصلحُ لتكونَ بريدَ شوقٍ
لا تُخبرُوا أولادكُم عنها كي لا يواجهوكم بأسئلةِ الأطفال المُحرجة
ما الذي اقترفته غزة كي تتركوها وحدَها ؟
ومن يشتري للأطفال ثياب العيد وقد فقدوا آباءهم ؟
وكم عدد أضلاعِ المُثلثِ في حصَّة رياضياتٍ على صوتِ هديرِ الطائرات؟
وهل يبقى الألفُ مستقيماً بالنسبةِ لطفلٍ لم يشبعْ بما يكفي على وجبة الفطور؟
وما وجه الخلافِ بينَ الزواحفِ والبشر الذين فقدوا أطرافهم؟
وأي عينٍ تُغمضُ المرأة التي فقدتْ عينها في الغارةِ الأخيرةِ إن أرادتْ أن تُدخل الخيطَ في الإبرةِ لترتأ ثيابَ أولادها ؟
دَعْكُمْ من حكاياهَا الفارِغة
دَعْكُمْ من ترميمِ مساجدِها فأبراجكم تحتاجُ إلى كلّ حبةِ إسمنت لتناطح السَّحاب
سُدوا آذانكم بالقطنِ عند مواقيت الصَّلاةِ فصوتُ الآذانِ هناكَ حزينٌ بما يكفي ليفطرَ القلبَ
وفّروا شُحَنَ الدواءِ فستنتهي صلاحيته على المعبرِ وهو ينتظرُ إذنَ الدُّخولِ
ولا بأسَ بالأكفانِ فالأقمشة تعمّر طويلاً ولكن لا تنسوا أن الشهداءَ يُكفنون بثيابهم
دعكم من يومياتها الرتيبة
في غزة ما يكفي من حباتِ العدسِ لتصمدَ يوماً آخر فاستريحوا
وما يكفي من موتِ الأطفالِ لتصبحَ فصولُ الدراسَةِ أقلّ اكتظاظاً فوفروا أقلام التلوين
اتركوها لجرحِهَا
اتركُوها تُذلّ جلاديها وتُعلمهم أن الدمَ حادّ بما يكفي ليجرحَ السَّيف
وأنهم يحتاجونَ لجيلٍ جديد من المركافا فالجيلُ الأخيرُ اخترقته العبوات الناسفة أيضاً
اتركوها تقاتلُ وحدَها فالقتالُ يا بني قومي من فروضِ الكِفاية

مدافع ومدامع

دثـِّروا مدافِعكُم كي لا تُصابَ بالزُّكام
كففوا مدامِعكُم فإنَّ بكاءَكم علينا حرام
أنا أَحرسُ مسرى نبيِّكم  وحدي
 فلترقدْ جيوشُكم بسَلام
الجِدارُ الأخيرُ بينهم وبينَ المسجدِ الأَقصَى
 طِفلة
السَّادةُ أصحابُ الجلالةِ والفخَامَةِ والسُّمو تباً لكم
وتعْساً …
شَاهتْ وجوهُكُم وقممُكُم العَاجزة
وبياناتُ  التنديدِ والشَّجبِ والإدانَة
سئِمنا السَّجعَ فيكُم
كرهنَا الأصمعيَّ وسيبويه وزيادَ ابن أبيهِ
 والحناجرَ الرَّنانة
ما عادَ الكلامُ يُجدي
هذا زمنُ السَّيفِ لا زمنُ الخطابَة
ما بيننَا وبينَ استعادةِ المسْرَى
 قمـّة
برآءتي سُفكتْ ولكنِّي هَزمتُهم يا سَادة
بلا نفطٍ هَزَمتُهم
بلا مدفعٍ ودبابة
بأقلام تلويني وكرَّاسة
شطبتُ منها أسماءَكم ومفردات الذلِّ والرَّتابة
بالدمِ كتبتُ أنَّ أبا عبيدة لم يمتْ
إنَّه يجمعُ ما تبقَّى من صحَابة
هنا في القدس نكتبُ بالدم
أرجو أَن لا تلطِّخَ وجوهكُم هذه الكِتابة
عُذرا لن نحضر القمة فنحن نبحث عن
 رجولة
أريحونا من شجبكم وتنديدكم
ومن بيانكم الختامي
ومن وجوه الكآبة

كيف حال العرب يافرزدقـ . !

ذات مساء ملّ جدي من الانتظار وقرر ان يحقن دم الصغير ويرحل
على عجل جمع ما استطاع من ذكريات
ودّع سنابله التي لم تنضج بعد … سلّم على البئر والتينة … عانق صهيل الحصان ورحل
في طريق رحيله التقى بالفرزدق وكان بينهما حوار:ـ
ـ كيف حال العرب يا فرزدق
قلوبهم معك ولكن جيش الانقاذ عليك
وما العمل يا فرزذق
أدخل في التيه فإنها محرَّمة عليك أربعين عاماً
وبعد الأربعين يا فرزدق
بعد الأربعين إذهب أنت وربك فقاتلا إن العرب ها هنا قاعدون
ومضت الأربعون …مات جدي في التيه
وطوال الأربعين كان السارق ينعم بالحنطة وصاحب الحقل يتضور جوعاً … وهذه تفاصيل الحكاية
تخرج عارياً الا من ذاكرتك
تواري سوأتك بظل سنبلة
ضاق الوقت على مراسيم الوداع فمضيت على عجل
صافحت بعينيك حقلك
نسيت ان تودّع الدالية
هل انت قادر على عتاب العنب ؟
نسيت ان تصطحب معك خصلة حبق
لمن زرعت المشتل اذا ؟
كنت تعرف ان حب الحقل خطيئة
فلماذا أدمنت سنابلك ؟
أيّة شجرة محرمة تلك التي أكلت منها لتخرج عارياً من جنتك ؟
تخرج عارياً إلا من ذاكرتك

لفقوا تفاصيل الحكاية وقالوا لأبيك إن الذئب أكلك
إخوتك يبحثون لك عن بئر أعمق
ولا أحد يرغب بانتشالك
حتى دراهم معدودة كثيرة عليك
وامرأة العزيز لم تعد ترغب بك
لست شهياً كما كنت
والنسوة انتبهن لأصابعهن فما انت إلا بـَشَر !
أبقارك كلها عجاف وسنابلك يابسة
فلا تحزن منفاك في داخلك وأيّ منفى يا جدي أبعد !
تخرج عارياً الا من ذاكرتك
ضيف ثقيل في كل بيت
حتى ظلك يتعب الجدار
لا احد يحبك يا جدي  .. لا أحد
لو اضأت أصابعك شمعاً
لو مشيت على الماء
لو أخرجت من الصخر حياً
لو دعوت الى رشد
لا احد يحبك يا جدي
مت في شعب ابي طالب
إن الماء عليك حرام
تخرج عارياً الا من ذاكرتك
توقف عن الحنين لأرضك إنها محرّمة عليك أربعين عاماً
أدخل في تيهك فما جنى عليك أحد
كنت بسيطاً يا جدي فأضلك السامري
كنت مشدوداً الى محراثك فاحرث الآن همّك
مضت الأربعون ولكن يوشع لم يأتِ
لم يعد بإمكانك أن تنتظر أربعين أخرى
من تيهك الى قبرك تخرج عارياً كما اتيت
جفّت عروقك في التيه وها أنت ترحل
لم تتفق مع الوقت أبداً
كل حياتك كانت على عجل ماذا عليك لو انتظرت دقيقتين وقصيدة
لو راجعت معي تفاصيل الدار وامتداد السنابل
تورثني همك وتيهك وترحل
أزفّ اليك بشرى أن سارق الحقل مضى الى حيث مضيت
هناك من ورث الخطيئة عنه وتستمر الحكاية
.السنابل تعرفنا نحن يا جدي
تحفظ أبجدية محراثك
والحقل يوماً ما يعود
يوماً ما يعود

هذا زيتون القدس ياوطن !



أنا العذراءُ التي حملَت منكَ يا وطنُ دونَ أَنْ نلتقِي
جنينِي حنينٌ يأكلني شوقاً
إليكَ
كم يشبهكَ هذا الذي يقتاتُني يا وطََن وكلُ ما فيه يقولُ أنَّه منكَ
يقسِمُ كلُّ من مرَّ بهأَ نَّه شمَّ رائحةَ
البرتقالِ
هذه يافَا يا
وطَن
كلُّ من سلَّم
عليه
أَضاءَ كفُّه ” ولو لم تمسسه
نار” ـ
هذا
زيتونُ القدسِ يا وطَن
كل من عانقَه فاحتْ منه رائحةَ
البحرِ
هذه عكَا يا
وطَن
كل من قاسمَه رغيفه
أدمنَ القمحَ
هذا مرجُ ابن عامر يا
وطَن
كلُّ من رأى قامتَه الطويلةَ عشقَ القمَم
هذا جبلُ الكرملِ يا
وطَن
كل من استراحَ فيحضنه صار دمُه أَقوى من
السَّيفِ
هذه غزةُ يا
وطَن
كيفَ يقولونَ إذاً أَنَّ جنينِي ابنُ
خطيئَة
لا … هو منكَ يا
وطَن
لم يكن من الضَّروري أَن
نلتقِي
كانتْ تكفِي الذكرياتُ ليكبرَ بطنِي يا وطن
!
أَنا العذراءُ التي تحملُ ابنكَ
وحينَ يرى النُّور سأرضعُه حبَّك ليصيرَ مثلي متيماً
بكَ
أصبحَ الحنينُ خطيئةً يا
وطَن
وما أَشهى الخطيئةَ حين يكونُ طعمُها
أَنت
وصوتُها أَنت
ورائحتُها
أَنت
كم اشتهي لو نلتقي
!
فأستريحُ قليلاً من وزرِ
الخطيئةِ
ومن
حنيني
وإنْ كانَ محالٌ
لقاءَنا
فلا تكترثْ لي فحينَ تكونُ الخطيئةُ بطعمِ
القدس
تحلو الخطَايا يا وطَن

|[ عكا ]|

المُدُن كالحُب
بعض الحب تهرب منه ولكنه كلون عينيك يلاحقك في كل المرايا
وبعض الحب تنتقيه وينتقيك
وهناك حبّ يأخذك منك
يبقيك على موعد مع قبلة كاذبة ثم لا تأتي
وهكذا أحببت عكا
عكا اجمل المدن القديمة
عكا اقدم المدن الجميلة
وكان لقائي بها غياباً
غياباً بقدر ما استطاعت ذاكرة جدتي استحضار الذكريات
وكانت كل مساء تفتح نافذة الذكرى
وكنت أطل منها على عكا بشهية بدوي لم يعرف المدن من قبل
عكا كانت اولاً ثم كان البحر

واتفقا على اقتسام السفن والأشرعة والغروب
ولكن الغروب ضاق على البحر فقرر ذات مساء أن يخون
فاستعان بنابليون الذي لم تقل له مدينة يوما لا
واستعانت عكا بالجزار الذي كان متيّماً بسورها
والتقى الجمعان
…وكان الحصار … يوم يومان … شهر شهران
وقالت عكا لا
ويـا ويـل البحر من سـور عـكـــا

ونضجت عكا في غيابنا على مهل
وكان المساء
موعداً لتعذيب النفس بالأشواق والذكرى
وكانت عكا فاكهتنا المُحرَّمة
وكنـّا كل مساء نشتهيها
بلا وسوسة شيطان نشتهيها
دون أن نخاف من أن نجوع أو نعرى نشتهيها
ولما طال الإنتظار بدت لنا سوآتنا
ولكنها تحبنا نحن
وما زلنا مع عكا على مـوعد والغرباء معها على لـقـاء
عكا تحب رائحة الصابون فينا وتكره رائحة البارود فيهم
تحن الى خطانا الضائعة على الأرصفة
تفتح ذراعيها لمراكب البسطاء الذين ينكشون البحر على رغيف خبز
نحن على موعد مع عكا
والموعد لا شك آت
ويا ويل البحر والغرباء من سور عكا

كَان وطَناً مِلءَ القَلبِ يَاجَدي

وَكَانَتْ تَقولُ لِيَ : وَرِثْتَ مِن جدِكَ لونَ عَينَيهِ وَنَبرةَ صَوتِه وَعِنَادَه وإنِّي حِينَ أَنظُرُ إليكَ أراهُ … كَأنَّكَ هُو …
أَو كَأَنَّه أَنتَ … حُلْمُه حُلمَكَ … وَمَرضُهُ مَرضُكَ … وَطنٌ مِلءَ القَلبِ … قَلبٌ مِلءَ الوَطََن
كَانَ وَطَناً مِلءَ القلبِ يَا جَدي
يَا لِبخلِكَ ! لَمْ تتركْ لِي إلا مَنفاكَ
أَتأمَلُ عَينَيَّ فِي المِرآةِ وأَبْحثُ عَنكَ
لَيتكَ هُناكَ لَكُنتُ أَغلقتُ الأَبوابَ دُونَكَ
وقُلتُ : هَيْتَ قَلبِي كُله لكَ
واللونُ البُنِّي نَافِذةٌ تُفضِي إلى جِدار
غَصَّتْ بِيَ الطُرقُ يَا جَدِّي
تَقيأَتنِي المَطَاراتْ
الكُلُّ يَبْحثُ عَنكَ فيَّ فَمَا الذي اجتَرحَتهُ يَداكَ
حَاولتُ أَنْ أُخفِيكَ عَنهُم ولكِنَّ رائِحةَ القمْحِ فِيكَ فضَحتنِي
لقَدْ عثَرُوا عَليكَ
وجَدُوا عَكَا معَكَ
يَا لِوقَاحتِكَ !
أَكُلمَا تَمدَّد رجُلٌ على شَاطِىءٍ طَالبَ بملكِيَّةِ البَحر؟
!كَانَ وطَناً مِلءَ القَلبِ يا جَدي
وكنْتَ أُمياً يكتُبُ سنَابِلَ القََمحِ بإتقَانٍ
فَواصِلُكَ أُقحُوانٌ
نُقاطُكَ زعْتَرٌ بَريٌّ يَصرُخُ مِلءَ الحُنجُرةِ أَنْ هَلمُّوا إليَّ
هَمْزتُكَ عُشُّ دُوريٍّ فَتَحتَ له القَلبَ وأَسْكنْتَه بينَ سُنبُلتَين
وكَانَ المِنجَلُ مِِمحَاتُكَ بعدَ أَنْ تَيبَسَ الكَلِمَات
الدَّالِيَةُ تَتَفَتَّقُ عَنْ عِنَبِهَا لأَجْلِكَ
 قـُصَّ عَليَّ حِكَايَةَ القَمحِ مَرَّةً أُخرى
إِقرَأ عَليَّ تَراتِيلَ المِحْرَاث
إِهمِسْ بِاذُنِي فإنِّي سَأَكتُمُ عنكَ تفَاصِيلَ البِذَار
لَنْ أُخْبِرَ أَحداً بِطقُوسِ الدَّفْنِ
لَنْ أشِيَ بِكَ فَقد صَارَ القَمْحُ رغِيفاً يَا جَدي وَمَا كَانَ كَان
كُلْ رغِيفَكَ عَن آخِرِه فَعَمَّا قَليلٍ سَتكُونُ مَدفُوعاً بِالأَبوَاب
كَانَ وَطَناً مِلءَ القَلبِ يَا جَدي
فَكيفَ لَمْ يَعدْ لكَ فيهِ مُتَّسَع
أَلَمْ تَكُنْ هُناكَ قَبلَ أَنْ تَعرفَ السُّفنُ حَكَايا المَوج ؟
وقَبلَ أَنْ تَخْبَرَ الفَراشَاتُ مِزاجَ الوَرد
أَلَمْ تَقتُلكَ كِنعَانِيةٌ وتَدفِنكَ فِي عَينَيهَا حَتى قَبلَ أَنْ تَعرِفَ نِسَاءُ الأَرضِ بَطْشَ الكُحْل؟!
قُمْ واصْرُخْ مِلءَ الكَون وليَصْدَحْ صَوتُكَ فِي أَرجَاءِ المَجَرَّة
يَا رجُلَ الكِنعَانِياتِ اللواتِي لَمْ يَعْرِفنَ الخَطِيئَة
اللواتِي يَحمِلنَ الحُبَّ فِي قُلوبِهنَّ كقُنبُلةٍ مَوقُوتَةٍ ضَبَطَهَا مَجنُون
فَلا يَعرِفنَ مَتَى تُطِيحُ بِكَ … وبِهِنَّ
المُتَضَمِخَاتِ بِِودَاعَةِ الزَّيزَفُونِ وشَراسَةَ القُرنْفُل
الكِنعَانِياتُ أَخْطَرُ نِسَاءِ الأَرضِ يَا جَدَّي
عُيونُهُنَّ مَنفَى وأَحضَانَهُنَّ وَطََن
كَانَ وطَناً مِلءَ القَلبِ يَا جَدي
وكَانَ القَلبُ مَفتُوحاً عَلى مِصْراعَيهِ للطُيُورِ المُهَاجِرَةِ كُلَّ عَام
فَلِمَاذا أّخْلفْتَ هَذا العَامَ مَوعِدَكَ
والمَطَرُ إذْ يَغْشَى المَكَانَ فَلِكَيْ يَسْتَحِمَّ بِكْ
كُلُّ شَيء ٍيَمُوتُ اشتِيَاقاً إليكَ … ويَكْرَهُهُم
السَّنَابِلُ تَصْرخُ مِن قَسْوةِ مَنَاجِلِهِم
الخِرافُ تَلعَنُ مُوسِيقَاهُم ومِزْمَارُكَ حُلُمٌ لا يَخْنُقهُ حَدُّ السَّكِين
الجُدرانُ تَصَدَّعت مِن قِصَصَ جَداتِهم المُغَمَّسَةِ بِالدَّم
حَتى الهَواءُ يَا جَدي تَعِبَ مِن لُغَتِهم الرَّكِيكَة
وإَنَّي أَراكَ هُنَاكَ ولاأَراهُم
كَانَ الحَقلُ لكَ … وسَيبقى لك
كَان وطَناً مِلءَ القَلبِ يَاجَدي
وسَيِبقَى القَلبُ لكَ …و سَيبقَى الوطَنُ لَك

إلى خديجه

 قميصِي كمَا هُو ، قلبِيَ فقطْ على غِيابكِ قُدَّ مِنْ دُبرٍ !
دثرينِي إنِّي أرتجفُ ، صَقِيعٌ عُمْري بدُونِكِ
لقدْ باغتُكِ هذِه المَرَّة وأخبَرتُكِ عن حَالِي قبلَ أنْ تُعَاجِلينِي بالسُّؤالِ  !
سَئِمتُ سُؤالكِ المَعْهُود كلَّمَا افترَقنا : كَيفَ أنتَ ؟ كمْ مرَّة عليّ أنْ أقولَ لكِ لقدْ تهَاويتُ قِطعَةً قطعَةً فلمْ يبقَ مني إلا أنتِ أولُ الكَلامِ مِنكِ كانَ : كيفَ أنتَ ؟ لمَاذا تخيّلتُ وقتهَا أنكِ تسْألينِي : كيفَ تجِدُ  بطشَ اللّوْنِ العَسَليِّ في عَينيَّ ؟ !وَدِدتُ يومَهَا لو قلتُ لكِ : مَرِيضٌ بكِ ،  وكلُّ  من يمُرُّ بي يُصَابُ بعَدوَايَ ويُحِبكِ  ! وَدِدتُ يومَهَا لوْ قلتُ لكِ كلاماً لا يقبَلُ التأوِيلَكـَـ ” أحُبكِ ” ، لا لأنَّ اللحَظَة مناسِبَة للبَوحِ ، ولا لأنكِ جمِيلةٌ حَدَّ التَّداعِي ، ولا لأنَّ صَوتكِ يُبعثُرُنِي ككَوْمَةِ قَشٍ ، بلْ لأني أحُبكِ فِعْلاً    …كنتُ أخَافُ مِنْ سَطوَة اعتِرَافي لكِ ، لأني أؤمِنُ أنَّ بعضَ الطُّرُقِ ذاتُ اتجَاهٍ واحِدٍ ، وكانتْ تفزِعُنِي فِكْرةُ أنّه  لا يمكِنُ الرُّجُوعَ قبْلكِ ، أمَّا اليوم فأنتِ بعِيدة بمَا يكفِي لأعْترِفَ   :أنا الأبلهُ الذي أحبَّكِ مُنذاللحْظةِ الأولى  ولَمْ يعُدْ يهُمُه اليَومَ أنْ يُخفِيَ بلاهَته  ، المَجنُون بكِ مُنذ أوَّلِهَمْسٍ ، والقائِلِ اليَومَ هَلْ مِنْ مَزيدٍ ،أنا الطريدُ الشَّريدُ بدونِكِ ، الخَائِبُ  بلا يدكِ ترْسُمُ حُدُودَ وَجهِيَ ، الفَارِغُ منْ صَوتِكِ وقدْ خَلَتْ لحّظّاتُ عُمْرِي مِنْه ،المُنْكَسِرُ كزُجَاجٍ صفَعَتْهُ الرِّيحُ ولَيسَ هُناكَ من يُدافِعُ عَنه ،المَريضُ غَادَرَتْه عُلبَةُ الدَّوَاءِ ،الخَاوِيَةُ سَلَّتُه لا مِنْ تُفاحٍ يَسْقطُ حينَ يمَلُّ مِنَ الشَّجَرِ ، بلْ مِنْ  نُجُومٍ تأوي إليهِ لأنكِ مَعَه ، تَسَرَّعُوا حينَ  قالُوا أنَّ للأرضِ جَاذبية ، الأرضُ تدُورُ فقطْ ، أمَّا الجَاذِبيةُ فلعْبَتكِ 
 كيفَ أنتَ تَخْرُجُ مِنْ فمكِ بصِيغَةِ : أراكَ لمْ تنكَسِر بعْد  !
 لحْظت ذاكَ ، أعَضُّ على كِبريائِي ، وأعتبرُ أنَّ سؤالكِ كَانَ بَريئاً وعَابِراً ومُنتمِيا ًللسِّياقاتِ العَادِيَّةِ التي لا تخْرُجُ فيهَا الكَلِمَاتُ عن ظَواهِرِ الحُرُوفِ ، وأنَّ كلمَاتكِ لا تُهَيِّءُ لتنويمٍ مِغناطِيسِيٍّ ، ولَيْستْ مُحَاولةَ إغراقٍ كمَا تفعَلُ التياراتُ البَحريَّة بالحَمْقى الذينَ يظنُونَ أنَّ بينَهُمْ وبينَ الغَرَقِ مَسَافةً مِنَ المَاءِ لا بُدَّ أنْ يجتَازُوهَا مُختَارينَ  !
.
.
مَنطِقُ الحُبِّ كمَنطِقِ البَحْرِ تماماً بلا مَنطِقْ  !
.
.
ليْسَتِ الحَافَّة التي نرَاهَا عندَ آخرِ المُسْتطِيلِ الأزرَقِ سِوَى خِدْعَةٍ بَصَرِيَّةٍ ، الوَاقِفُونَ على البرِّ يخطِئون دوْماً في قراءَةِ المَوجِ ، لا يمْكنُ الوُصُولُ للحَافَّةِ البَعِيدةِ ، لأنَّها ليْسَتْ مَوجُودَةً أصْلاً ، إنَّهَا صَنيعَةَ حَواسِنا المَحْدُودَة ، نحنُ الذين نُصِرُّ دَوْماً على التعَامُلِ مع البَحْرِ بمَنْطِقِ البَرِّ  !
نحنُ الذينَ نُؤمِنُ أنَّ لكُلِّ شَيءٍ حَافَّة ،نحنُ نَصْنعها ونؤمِنُ بِهَا ، ثُمَّ نَقَعُ عنْهَا ونتكَسَّر ،البِحَارُ بلا حَوَافٍ يا معشَرَ البَر ، المَاءُ يُعانِقُ المَاء ،والأسْمَاكُ لا تحملُ جوازاتِ سَفَرٍ ، وليْسَ هناكَ إشَاراتِ مُرُورٍ ، البَحْرُ لا يُشْبِه البَرَّ أبداً إلا  بشَيءٍ واحِدٍ وهُو أنَّ الأسمَاكَ الكَبِيرة تأكلُ الصَّغِيرة  !
.
.
وَحْدَهَا القلُوبُ تجِيدُ اجتِيَاز المَسَاحَاتِ  / المَسَافَاتِ الزَّرقَاءَ ، وَحْدَهَا القلُوبُ تعْرِفُ أنَّها بالنبضِ يُمْكِنُها تجاوزُ الحَوَافَّ التي أوهَمُونا بوجُودِها ، فقطْ عليهَا أنْ تتحلى  بمنطقِ  الأشْرِعَةِ التي لا تخَافُ من البَللِ ، أمَّا الأشْجَارُ المُسَمَّرَةِ على  الرَّصِيفِ قربَ البَحْرِ فلا يُوجَدُ في كُتُبِهَا حرفٌ بَحْرِيٌ واحِدٌ فالمَسْألةُ لا تتعلقُ بالمسَافَةِ بلْ بالقَنَاعةِ  !
 كيفَ أنتَ ؟
الأسْئِلةُ الصّادِرَةُ عَنْ كَائنٍ بَرِيءٍ لا تعنِي بالضّرُورَةِ أنّهَا أسْئِلةٌ بريئَةٌ الحُبُّ يجْعَلُ المَرْأةَ أكثرَ   دَهَاءً ، والرَّجُلَ أكثر حُمْقاً  !
وفيمَا تسْتَمْتِعُينَ أنتِ بمُمَارسَةِ دهائِكِ أحَاولُ أنا أنْ أرممَ حَمَاقتِي يُحبُّ الرَّجُلُ لترميمِ شيءٍ مَكْسُورٍ فيه متناسِياً عَمْداً أنّ شَظيةَ حُبٍّ هِيَ التي صَنعَتْ كلَّ هذا التنَاثرِ الذي يَكْتنِفه ، أيُّ جُنونٍ هذا حِينَ يُطالِبُ الغريقُ بحَقِّهِ بكُوبِ مَاءٍ إضَافيٍّ  !
لا رغبةً في جَمْعِ الأشْيَاءِ المُتناثِرةِ
تحُبُّ المَرأة ، بل لتثبتَ لنفسِهَا أوَّلاً ، وللكَوْنِ ثانياً ،أنها فاتنَة وتسْتَحِقُّ  الإستِحْواذَ على قلْبِ رجُلٍ ! متناسِيةً أنّ الرَّجُلَ  لا يُمْكِنُ أنْ يُفتنَ بإمرأةٍ مَا لَمْ تُنْسِه أسْبَابَ تنَاثراتِه السّابقِة
لمَاذا تسْألينِي عن حالِي وأنتِ التي حينَ عبَرَتِني حَافِيةً نزَفتِ على أشْلائِي ، ألمْ يكُنْ مشهدُ الدِّمَاءِ على بقايا الزُّجَاج ِ المَكْسُور إجابةً كافية ؟!
تريدينِي أنْ أتكلَّمَ ، وأنا دَوْمَاً أتكِىءُ على صَمتِي لأن تاريخَ علمِ الآثَارِ لَمْ يذكُرْ مرّةً أنّ مُوميَاءَ خَرجَتْ عن صمتها وقالتْ : رمموني  !
وحْدَهُم يرَممُونَها دُونَ حَاجَةٍ مِنْهَا للبَوحِ ، المُوميَاءاتُ  تعْرِفُ أنّ الحفارينَ يُعمِلونَ معَاوِلهُم مَدفُوعينَ من غريزَتِهِم  لإعادةِ الأشْياءِ كمَا كانتْ عليه  .
لو سَألَتِنِي كيفَ تريدُ أن تكُونَ لوَفّرْتِ على نفسِكِ عناءَ انتظَارِ الإجَابَة ، ووَفرتِ عليَّ عناءَ صِياغتِهَا  .
أمّا أنْ تسْألينِي كيفَ أنتَ ، قبلَ أن تنزِعي قطعةَ زجُاجٍ علقتْ بقدميكِ لحظَة تِجْوَالٍ فيَّ ، فيلزَمُنِي احتضَارٌ لأخبركِ
حَسناً إني أحْتَضَرُ : لقدْ اشتقتُ إليكِ
 كيفَ أنتَ ؟
ما زِلتُ أتنفَسُ بشَكْلٍ يشِي أنني حيّ  !
تخَيَّلِي من فرْطِ  التَرفِ قررتُ أن أكتبَ إليكِ ، فمنذُ زمَنٍ لَمْ أفعلْ !
ربمَا قراءة وجهكِ  بشَكْلٍ يومِيٍّ هي التي تنْسِينِي أن أفزَعَ إلى دفاتِرِي بحثاً عنكِ  !
لأكتُبَ  لإمرأةٍ بَحْرِيّةٍ كلّ مَا فيها يُغري بالغرقِ يلزمُنِي مسَاحةً من اليابسَةِ للإحتماءِ من ضَغطِ الماءِ ، وحِبراً يليقُ بالسّفنِ المشْدودَةِ قَهْرَاً إليكِ  ، وورقاً غيرَ الذي أكتبُ علَيه كلَّ يوْمٍ ، ويداً أُخْرَى  …
لإمرأةٍ لا تتكررُ كلَّ يومٍ لا بُدَّ لي من اجتراحِ لُغةٍ جدِيدَةٍ  قادِرةٍ على العوم ، لا بدَّ لي من نسيانِ أبجديتِي البَرِّية وتطويرِ أبجدِيّةٍ  مائيّة بلونِ الغروب ، ورائحةِ أعشَابِ البحر  !
لإمراةٍ تجعلُ للماءِ طعماً  ، ولوناً ، ورائحةً ، يلزمُنِي أدَواتُ كتابَةٍ أُخرى على افتِراضِ أنّه يمكن ُترويضُ البحرِ بقصيدة ،  كنتُ أظنُّكِ صَنيعةَ الفَرقِ في التوقيتِ بين المَاءِ واليابسَةِ ، وأنّ الموجَ ألقاكِ فتعلقتِ بثيابِي لأنّي كنتُ عابراً صُدفةً بين توقيتين !
فاكتشفَتُ ذات خديعةٍ أنّكِ كنتِ تحفظينَ مواعيدَ مُرورِي  ،وتحسبينَ بدقةٍ المسَافةَ الفاصِلة بين خُطوتين من خطَواتِي ،  وقبل أنأضعَ قدمَي أرضاً قلتِ لي : إحذَرْ أنْ تدُوسَ قلبَكَ ، دفنتُه في يديَّ ، خبأتُه عن كلّ شَيءٍ ، وهو في مَأمَنٍ إلا مِنكَ !
لإمرأةٍ كأنتِ تتأرجحُ على بندولِ  السَّاعة وتجيدُ السّيطرة على منافذِ الوقت ، لكِ يلزمُنِي حُرُوفٌ جديدة ،  فالحروفُ مِنَ الألفِ إلى اليَاءِ لا تكفِي لإتمامِ طقوسِ المدّ والجَزرِ
 كيفَ أنتَ ؟
أنا كمَا البارحَة كمَا صَبيحَة اليَومِ التالِي فارغٌ منكِ وأحنُّ إلى أشْيائِنا الصَّغِيرة إلى الثلاثةِ الصِغَارِ الذينَ  أنجبنَاهُم ونحنُ نعبُر الطريقَ الفاصِلةَ بينَ قلبينِ فأحببتُهُم لأنَّهُم بُضْعَةٌ منكِ إلى مراكبَ ورقيةٍ تصْنَعينَها وأنتِ  جالسَة جنبِي وأنا أكتبُ فأتخيّلُ أنّها صَالحَة للإبحَارِ فأركبُ بهَا مطمئناً أنْ لا موجَ قادِرٌ على هَزيمتِي.
إلى عطركِ  تسْكَرُ منه جدرانُ البيْتِ وتترنحُ فيوشِكُ السَّقفُ أن يهويَ علينَا
إلى قهْوتِنا الصِّباحيةِ على الشُّرفةِ ، نسيتُ أنْ  أخبَركِ أنَّهَا فقدتْ أصَالةَ بُنِّهَا على غيابكِ إلى ثوبِ الصَّلاةِ هجَرَتْه التقيَّة إلى المصحَفِ الذي أهديتكِ إيَّاهُ فأمازحُكِ :  اقرئي أنتِ وانا آخذُ حسناتٍ إلى الفنجانِ الكبيرِ المتبقِي من اثنينِ اشترينَاهُمَا معاً فلا نعرفُ فنجانُ من انكسَرَ  فنتشَاجرُ عليه كالصِّغارِ فنشْرَبْه معَاً ونتركُ الصَّغيرَ يشْتاقُ لكِ إلى اسْمكِ ، أنادي خديجة ، فتتوهمينَ أني أناديكِ ثم  يظهَرُ لكِأني أتنفسُ فقط  !
إلى خمسَةِ أيامٍ تسْبِقُ مجيئِكِ ، سَأرجُمُهَا كلَّ فَرضِ صَلاةٍ بسبعِ حصَواتٍ ، ثم سَأرجُمُ المسَّافة ، ثم أرجُمُك ، تباً ،  كمْ أحبكِ.